.. والأيامُ أحوالُ
يرى الشهير الشريف بكرمه حاتم الطائي أنَّ العطاء يكون للذي نحب ونهوى من الناس، فعلينا إهانة المال من دون تردد أو خشية، لأنه إن لم يُنفق فسيكون بعد أن أشقى صاحبَه لغيره ممن سينفقُه كيفما اتفق، فالطائي السخي يدعو إلى البذل للأحباب بسخاء، فقلّما يجلبُ وارثٌ حمداً لمورّثه:
أهِنْ في الذي تهوى التلادَ، فإنهُ
يكونُ إذا ما متَّ نهباً مقسَّما
فهل خزنُ المال أو حفظُه يحفظُ صاحبَه أم يذلّه، ما هي العلاقة بين المال وصاحب المال، وفي أيِ المجالات والسبل تكون ضرورةُ البذل، كيف كانت نظرة أصحاب الأدب لأصحاب المال؟
يقول المعرّي:
عجبتُ للمالكِ القنطارَ من ذهبٍ
يبغي الزيادةَ، والقنطارُ كافيهِ
أما البحتري فينفي أن يكون المالُ هو المغنمَ الحقيقيَّ، بل معرفة طريق الخلاص والنجاة هو ما يجب أن يكون العمل عليه والرغبة فيه وضالّة ذوي الحِجى:
فلا تحسبِ الغُنْمَ جمعَ التلاد
فإنَّ النجاةَ هي المغنمُ
وليتَ النجاءةَ للمنصفين
تُرجَّى، فكيف لمن يَظلِمُ؟!
أما قيمةُ المرء الحقيقية فهي في أدبه وما يتركه من أثر، وليست في المال أو الجاه أو النسب، يقولُ أحمد شوقي:
قلْ للمدلِّ بمالِهِ وبجاهِهِ
وبما يجلُّ الناسُ من أنسابِهِ
ما مات من حاز الثرى آثارهُ
واستولتِ الدنيا على آدابِهِ
وفي ذلك يقول ابن الرومي:
أبقيتَ مالَك ميراثاً لوارثِهِ
فليتَ شعري، ما أبقى لك المالُ؟
القومُ بعدكَ في حالٍ تسرُّهُمُ
فكيف بعدهمُ حالتْ بك الحالُ
ملُّوا البكاءَ، فما يبكيكَ من أحدٍ
واستحكمَ القولُ في الميراثِ والقالُ
ألهتْهُمُ عنك دنيا أقبلتْ لهمُ
وأدبرتْ عنك، والأيامُ أحوالُ
ويدلي الشاعر العاشق العذريُّ كثيّر عزَّة بدلوه في ذلك معتبراً أن المال وسيلةٌ تُبذل في سبيل الأصدقاء والأحباب فتعينهم وتفرحَهم وتفرج كربهم، يقول عاشقُ عزّة:
إذا المالُ لم يوجدْ عليكَ عطاؤهُ
حقيقةَ تقوى أو صديقاً ترافقُهْ
منعتَ، وبعضُ المنع حزمٌ وقوّةٌ
ولم يعتملْك المال إلّا حقائقُه
وأحبّ أن أختم بهذه الأبيات المنسوبة لإمام أهل كمال الحكمة والأدب:
أموالُنا لذوي الميراث نجمعُها
ودُورُنا لخرابِ الدهر نبنيها
والنفسُ تكلف بالدنيا، وقد علمَتْ
أنَّ السلامةَ فيها، تركُ ما فيها