انتفاضة منبج
لم يكن القرار الذي اتخذته “ميليشيا قسد” مطلع حزيران الجاري، والقاضي بتطبيق “التجنيد الإلزامي” على الشبان ما بين 18- 30 عاماً في منبج، والذي أعقبه اعتقال المئات ممن رفضوا ذلك القرار، لم يكن ذلك القرار سوى الشرارة التي هيأت الحرارة اللازمة للوصول إلى “درجة الاشتعال”، إذ لطالما كانت الممارسات التي تنتهجها تلك الميليشيات على امتداد السنوات السابقة من النوع المتراكم الذي أتخم جعبة الذات الجماعية للمنبجيين، شأنهم في ذلك شأن باقي السوريين الذين يقطنون في مناطق سيطرتها، حتى إذا ما بلغ التراكم حدوده التي بلغها كان لزاماً تمظهره بالحالة التي ظهر عليها في الأيام القليلة الماضية.
من المؤكد أن التظاهرات التي شهدتها مدينة منبج ومحيطها في غضون الأيام الماضية من حزيران الجاري هي في عمقها تمثل حنيناً، بدا واضحاً لدى مختلف الشرائح المكونة لها، للعودة إلى كنف الدولة السورية، حيث من شأن الفعل هنا أن يعيد إلى تلك الشرائح هويتها الحضارية، اللازمة لاستعادة دورها وتوازنها اللذين يحققان شرطا الوجود والرسوخ على الأرض.
تقول التقارير الواردة من مدينة منبج أن ميليشيات “قسد” كانت قد استقدمت تعزيزات من “جبال قنديل” في شمال العراق في تأكيد على مشروعها الانفصالي العابر للحدود، والمعتد بقوى خارجية تبدأ من تلك الجبال آنفة الذكر، وهي تصل في شرايينها إلى المشروع الأمريكي الرامي إلى تفتيت الهوية الوطنية السورية الراسخة في ذات السوريين، وتضيف تلك التقارير أن “قسد” واجهت المتظاهرين بالرصاص فارتقى شهداء ووجرح آخرون ما زاد في اضطرام النار، الأمر الذي دفع بـ”قسد” إلى التراجع عن قرارها في 5 حزيران في محاولة لامتصاص النقمة وإخماد النار.
كنتيجة كان قرار “قسد” بطي قرار “التجنيد الإلزامي”، أو تأجيله حتى شهر كانون الأول القادم، يتحسب، وفي الأمر ما يدعو إليه، لإمكانية امتداد النار إلى باقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها، إذ لطالما كان “الحطب اليابس” المتراكم في هذه الأخيرة لا يقل حجماً عن نظيره الذي ظهر في منبج، والراجح هو أن كلاً من المرامي والتحسب لن يمنعا من “قدر” تمثله هنا حقائق التاريخ، والنزعة الجارفة لدى كل السوريين للعودة إلى كنف الدولة السورية.
لن يكون هناك من حل قابل للديمومة والاستمرار في منبج سوى بالعودة إلى الاتفاق المبرم في العام 2018 مع ميليشيا “قسد” بوساطة روسية، والذي يقضي بعودة مؤسسات الدولة السورية وبسط الجيش العربي السوري سيطرته على كامل المدينة، هذا ما تقوله الحقائق التي أفرزتها انتفاضة منبج مؤخراً، وهذا ما تقوله مطالب العشائر والقبائل والشخصيات العربية السورية التي تتلخص بوجوب عودة منبج إلى كنف الحكومة السورية والذي مثل على الدوام جناحاً تحلق به باقي أجزاء الجغرافيا السورية.