منْ يلبسُ المجدَ
يبدي الشاعر صفيّ الدين الحلي عجبه وسخريته ممن يتباهون بأثوابهم المزهّاة، والذين يرون أنها ثياب شرفٍ يتميزون بها عن غيرهم، ولا يراها الشاعر إلّا غطاءً سطحياً مدبّجاً لمضمون خاوٍ:
أتشمخُ أنْ كساك الدهرُ ثوباً
شرفتَ به ، ولم تكُ بالشريفِ؟
فكم قد عاينَتْ عينايَ ستراً
من الديباج حطَّ على كنيفِ ؟!
فالمظهر الحسن واحدٌ من المظاهر الإنسانية التي تتقاطع مع الرقيّ المتأصل لدى من يكون مظهره نظيفاً أنيقاً , وهذا ربما يدلُّ على ذوق لديه وخُلق، وينسجم ذلك مع ترتيب ونظام حياتي جميل ومحبب، وهذا عادةً ما يلاقي ارتياحاً واستحساناً لدى الآخرين، ولكنَّ المبالغة في ذلك والتفرّغ والانشغال إلى درجة انتقاء الأثواب المزركشة, والمباهاة اعتقاداً بأن ذلك يرفع من شأن صاحبها لدى الآخرين، أمرٌ مختلف تماماً لا يدلّ إلّا على السطحية والجهل، لأن المظاهر لا تغني عن المضامين.
وهذا ابن خاتمة يصور المباهاة والمغالاة في التأنق بما يرتديه المرء من لباسٍ شكلي زائف، داعياً إيّاه أن يرتدي ثوباً آخر مختلفاً هو رداءُ خشية الله ، وقد جاء بمثالٍ حيٍّ :
دعِ التأنّق في لبس الثيابِ وكُن
لله لابسَ ثوبِ الخوفِ والندمِ
وفي مقاربةٍ فطنة يشير أبو العلاء إلى أنه لو كان شرف الفتى في مظاهر لبسه وبريقه ولمعانه الخارجي لكان اقتصر فضلُ السيف على نوعية وشكل غمده:
وإن كان في لبسِ الفتى شرفٌ له
فما السيفُ إلّا غمدُهُ والحمائلُ
وبطريقةٍ ساخرة وشديدة الوقع على من يأخذ المظاهر وتأخذه، يقول الياس فرحات:
قلْ لمن يحسبُ الثيابَ على المرْءِ تعلي المقامَ، أن يتأدَّبْ
فجوادٌ من غير سرجٍ لخيرٌ
من حمارٍ ، عليه سرجٌ مُذهّبْ
ولعلَّ من يرتدي حللَ المجد يكون قد سما وترفّع عن الاهتمام بالمظاهر وزركشتها، وكيف له أن يبالي بمظهر وشكل لباسه وقد تعلّق بذيول الشهب والمعالي:
وكيف يبالي بالملابسِ ساحبٌ
ذيولَ المعالي ، وهو للمجدِ لابس؟!
ومن جميل ما قيل في ذلك من أدب الحكمة الأجمل والأجدى، قولُ أبي الطيب أحمد بن الحسين:
لايعجبَنَّ مُضيماً حُسْنُ بزَّتِهِ
وهل يروقُ دفيناً جودةُ الكفن؟!