قد تنجلي الغمرات
يؤكّدُ الشاعر صالح عبد القدّوس إمكان التخلّص من الشدائد، معتبراً – من تجربته المُعايَنة – أنَّ اليأس من ذلك أمرٌ يجب أن يُستبعدَ كليّاً ويُستبدلَ بالثقة القويّة برحمة القدرة الكلية وقدرة الرحيم على الفرج:
لا تيأسنَّ من انفراج شديدةٍ
قد تنجلي الغمراتُ وهي شدائدُ
كم كرْبةٍ أقسمتُ ألّا تنقضي
زالت وفرّجَها الجليلُ الواحدُ
وهذا اليأسُ الذي يتحدث عنه عبد القدّوس هو غير اليأس المحمود الذي يشير إليه أبو الأسود الدؤلي، أي اليأس مما في أيدي الناس، وعدم طلب الحاجات إلّا من وفي مواضعها، وهذا يريح ذوي التقى من التمنّي الزائف مزيلاً داءَ الحسد من القلوب، يقول:
وفي اليأسِ خيرٌ للتقيِّ وراحةُ
من الأمرِ قد ولَّى فلا المرءُ نائلُهْ
اليأسُ إذاً غيرُ القنوط وقد يكون محموداً في بعضِ معانيه، فمِمَّن يجبُ اليأس وبمن يجبُ الأمل، وليس من الحكمة تعليلُ النفس بالآمال فيما لا يُنال.
يقول ابن الملوّح:
وفي اليأسِ للنفس راحةٌ لها
إذا هي رامتْ خطّةً لا تنالُها
ولعلَّ في تصوّر هدبة بن خشرم مخرجاً فطِناً لا يدركهُ إلّا القلَّةُ الموفَّقون، يقول:
وبعضُ رجاءِ المرءِ ما ليس نائلاً غَناءً، وبعضُ اليأسِ أعفى وأرْوَحُ.
واليأسُ يأتي بمعنى نقيض الطمع فاليأس ممّا لا ينفعُ فيه، يطيلُ ولا يأتي بالمأمول.
إذا أنت لم تأخذ من اليأسِ عصمةً
تُشدُّ بها في راحتيك الأصابعُ
شربتَ بطرْقِ الماءِ حيثُ لقيتَهُ
على رنقٍ واستعبدَتْكَ المطامِعُ
وعلى طويل عينيّةٍ أخرى يعزف الفطامي وعلى الرويِّ نفسِه داعياً إلى تجنّبِ الأطماع فيما ليس به إمكانٌ أو جدوى ويعتبر اليأس عندها صفةً للعقلاء:
أرى اليأسَ أدنى للرشادِ وإنّما
دنا العيُّ للإنسانِ من حيثُ يطمعُ
فدعْ أكثرَ الأطماعِ عنك فإنّها
تضرُّ وأنَّ اليأسَ ما زال ينفعُ
ولعلَّ ما قاله حازم القرطاجنّي حريٌّ بأن يؤخذَ على موثوق محملِ الجدّ والحزم، فالعاقل يأنس ويرتاح لإشراق الممكن الكامن في المعقول المؤمّل من الكرم اللامحدود:
لا تيأسنْ من روحِ ربِّكَ وارجُهُ
في كُلِّ حالٍ فهو أكرمُ مَن رُجي