مصلحة سورية والجغرافيا الاقتصادية
ظهر مصطلح الجغرافيا الاقتصادية سنة /1888/, ويهتم هذا العلم بدراسة الموارد والنشاطات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والنقل والتوزيع والاستهلاك وتباينها وتوزيعها وتنظيمها المكاني على أسس تكاملية، وبدأ هذا المصطلح يحظى بأهمية خاصة في وقتنا الحالي, وخاصة في ظل الصراع على الموارد بسبب تعرضها للنقصان وندرتها وزيادة الطلب عليها, وزيادة صراع المصالح على الساحة العالمية، ومن هنا نتفهم زيادة أهميتها على الجغرافية الطبيعية, وإن كان للأخيرة دكتاتوريتها الخاصة بها، ومن هنا بدأنا نشهد تداخلاً في المصطلحات تترافق مع قرع طبول من قبل حزب العدالة والتنمية الإخواني وبتوجيه أمريكي, ولاسيما بعد استلامه السلطة في تركيا سنة /2002/, والتوجه لإثارة مشاكل في «آسيا الوسطى – بلد القوقاز – منطقة قزوين » كما فعلت حكومة «أردوغان» في سورية منذ سنة /2011/, واستغلال موقع تركيا الجغرافي لمحاصرة روسيا واستنزاف كل من الصين وإيران وسورية، ولتوضيح ذلك فإنّ آسيا الوسطى تمتد من بحر قزوين من الغرب إلى الصين ومنغوليا في الشرق، ومن أفغانستان وإيران في الجنوب إلى روسيا في الشمال، وتعرف هذه المنطقة في الأدبيات الاقتصادية باسم « آسيا الداخلية أو القارة الأوراسية الأوسع», وتضم عدداً من الدول مثل «أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقرغيزستان», وأحياناً يقال عنها: «دول الستانات الخمس Stan 5» لأن هذه الدول تنتهي بكلمة «ستان», والتي تعني باللغة الفارسية «الأرض», هذه المنطقة تتمتع بموقع جيوسياسي هام لأنها تشكل نقطة تقاطع دولية وعقدة وصل عالمية بين دول العالم, كما أنها طريق عالمي هام لنقل السلع والخدمات والناس بين روسيا وأوروبا والشرق الأوسط وجنوب وشرق آسيا، ولهذا سعت تركيا إلى تأجيج المشكلات في هذه المنطقة والاستفادة من تناقضاتها المزعومة لتحقيق المصالح التركية وخدمة التوجهات الأمريكية، أما منطقة القوقاز فهي المنطقة الفاصلة بين قارتي أوروبا وآسيا وهي غنية بالثروات الطبيعية والنباتية، وتضم الجمهوريات السوفييتية سابقاً من «مناطق في روسيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وأبخازيا وأوسيتا الجنوبية وناغ ورني كارا باخ )، أما منطقة بحر قزوين فتضم خمس دول وهي (روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان», ومما سبق يتبين لنا أهمية المناطق الثلاث وهي متداخلة مع بعضها البعض ومع موقع سورية الجيوسياسي لوجودها في غرب آسيا وتطل على البحر الأبيض المتوسط وصلة وصل بينه وبين الخليج العربي , أي نقطة نهاية البحار وبداية القارات وملتقى القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، ومن هنا نتفهم الدور التركي السيىء لحزب العدالة والتنمية في إثارة المشكلات في هذه المناطق الجغرافية، ومحاولتها إثارة المشكلات من دينية وعرقية واثنية وبتوجيه غربي وتحديداً أمريكي لكونها عضواً في حلف الناتوNATO” “, وحلمها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبإغراءات أمريكية، وتستخدم لذلك حركة الإخوان المسلمين العميلة في دول العالم كله، لكنها في الوقت نفسه وكانتهازية واضحة تغازل روسيا وفي الوقت نفسه تدعم الحركات الانفصالية فيها, متجاهلة أن روسيا هي الشريك الثاني لتركيا وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما /25/ مليار دولار سنة 2008 , وعلى الرغم من هذا سعت تركيا لمساعدة جورجيا ضد روسيا، وتعد تركيا حالياً ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي من روسيا، كما أن الأخيرة تعدّ سوقاً رئيساً لتصريف الخضراوات التركية، ووفقاً لبيانات موقع ITC Trade بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين سنة /2019/ بقيمة تزيد على /26/ مليار دولار، وتسعى لإثارة المشكلات في حديقة روسيا الخلفية مثل «أوكرانيا وجورجيا» كما تسعى تركيا لمحاصرة روسيا اقتصادياً من خلال إضعاف تصديرها للغاز إلى أوروبا التي تستورد من روسيا نسبة /40%/ من احتياجاتها وتصل في ألمانيا إلى نسبة /50%/، وبعض دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل شبه كامل على الغاز الروسي، وتصدر روسيا بحدود /11/ مليون طن يومياً، ويعدّ الغاز من أهم الموارد الاقتصادية الروسية، وقد توجهت تركيا لإقامة «خط نابوكو» المخصص لنقل الغاز الطبيعي عبر بحر قزوين الذي يمتلك «4% من الاحتياطي العالمي للنفط و5% للغاز», وتحديداً من تركمانستان «رابع أكبر احتياطي للغاز في العالم» إلى أذربيجان ومنها إلى خط أنابيب نابوكو ومن ثم أوروبا، وهذا يفسر توجهها لتفعيل منتدى «الاستقرار والتعاون في القوقاز» الذي تشكل بعد الاشتباك المسلح بين جورجيا وروسيا سنة /2008/, وعلى خلفية «اوسيتيا الجنوبية»، وهذا يفسر توجه الحكومة التركية الانتهازي الحالي بالدعوة لإنشاء سوق مشتركة للطاقة, وإيجاد ممر بديل يتجاوز روسيا ونشر الثقافة واللغة التركية, وتأسيس فضاء تعليمي وإيديولوجي تركي, وتعزيز تواجدها السياسي وإيجاد اتحاد جمركي وجمعيات ناطقة بالتركية ومشاركة في الاستثمارات,
وخاصة الصناعات العسكرية وزيادة مستوى التدريب الأمني والعسكري في الحديقة الخلفية لروسيا، وتأليب أوكرانيا ضد روسيا لنقض الاتفاق الموقع بينهما ولمدة /5/ سنوات والموقع سنة /2019 / والمتضمن ضخ /65/ مليار م3 في سنة 2020 , ومن ثم /40/ مليار م3 في السنوات الأربع التالية، وتسعى تركيا لتفعيل خط أنابيب ( باكو عاصمة أذربيجان – تفليس- جيهان ) لضمان نقل غاز أذربيجان إلى أوروبا، إضافة إلى خط (كازاخستان – جورجيا إلى ميناء جيهان التركي الواقع على البحر الأبيض المتوسط بطول /1776/ كيلو متر)، وتالياً تصبح تركيا جسراً للطاقة وممراً لها بين الشرق والغرب على حساب روسيا، كما تسعى تركيا حالياً لربط بحر قزوين مع الخليج العربي وتحديداً ( تركمانستان وإيران وتركيا) والدول الخليجية لمحاصرة روسيا والصين وإيران وسورية، كل هذه الأمور وضعت خطط تركية لتنفيذها, وهي تريد أن تستثمر في الجغرافيا الاقتصادية لتشديد الحصار على دول المنطقة، فهل تعي هذه الدول المتضررة من السياسة التركية المدعومة أمريكياً المخاطر الأردوغانية الإخوانية, وتتكاتف مع بعضها البعض، وهي تمتلك القدرة لتغيير ذلك وولادة نظام عالمي جديد على أساس لقاء المصالح وتفعيل الجغرافيا الاقتصادية بين بعضها البعض؟!.