عبسنا في وجوه بعضنا، وتجهّمنا، واكفهرّت تقاسيمُنا مثل غيمٍ يُنذرُ بالعواصف التي بتنا نُدلّعها ونسمّيها بأسماءَ تحبّبٍ تخفيفاً لكوارثها ودرءاً لغضبها… ثم سحبَ كل واحدٍ منّا دفترَ ملاحظاته النقدية وبدأنا نعدُّ على بعض أخطاءنا وخطايانا، وكم مرّة قلنا نعم حين كان يجب أن نقول لا، وكم مرّة ذهبنا في طريقِ عِنادنا حين كان يجب علينا أن نرجعَ ونليّنَ رأسنا متّبعين ضرورات المبدأ القائل “لا تكنْ قاسياً فتُكسَرْ، ولا ليّناً فتُعصَرْ”… ثم ماذا؟
ثم تراضينا، وأولمنا للأصدقاء كمشاتٍ من المحبّة وباقاتٍ من النِكات الطريفة التي تُزيل الهمّ عن القلب، وعزمناهم على ما تيّسر في بيوتنا من مؤونة خبّأتها لنا أمهاتنا بصبر القديسات أو ما تعبنا في جمعه بدأب النمل وما تعتّقَ في جِرارنا مما يجعل الروحَ خفيفةً مثل الفراشات… ثم ماذا؟
ثم شربنا متةً منكّهةً بـ”إكليل الجبل” و”الزعتر البرّي”، وتمَزمَزنا شاياً بالقرفة، ثم تدلّلنا واحتسينا زنجبيلاً مغليّاً لنحتمي بدفئه من برودة الطقس وصقيع النفوسِ الحاسدة والقلوب الجامدة، وقلنا لأنفسنا لا بأسَ بأنْ نلعبَ لعبةَ الصّبر والصبّار بدلاً من لعبة السلحفاة والأرنب، وقلّدنا “جودي أبو خميس” و”أسعد خرشوف” أمامَ المرآة ومن أجل أولادنا أو لنخفّف عن زوجاتنا كآبة العيش ومكابدات الحياة الواقعية، ثم رقصنَ بدورهن رقصةَ النكاية والمجاكرة على أنغام أغنية “خلّي اللي ما يسمع… يسمع” وأصوات الـ”دي جي ساسو” لعلّ أثناء الحفلة تكون “وجبة الغسيل” قد نضجتْ واكتملت واستوتْ و”تنهنهت” وتشقلبت داخل الغسّالة التي تكاد تتحول إلى خزانة لحفظ الثياب فقط وليس للغسل…ثم ماذا؟
ثم نفدتْ وحداتُ موبايلاتنا، وانتهى رصيدنا من “ميغايات الانترنت”، وفقعتْ مراراتنا، ولم يبقَ في صحن الجسد العنيد إلا القليل مما يسمّى الروح المُكابِرة… وكل ذلك ولمْ تأتِ الكهرباء ستّ الحِسن! لحظة… “إجتْ المحروسة… للليييششش”…
فركضَ كلّ من في البيت بمن فيهم العجائز والمقعدين وحتى الجدّات ركضن فرحاتٍ على فرحتنا، وما تركنا في البيت لمبة إلا وأشعلناها، وما أبقينا جهازاً يعمل على الكهرباء إلا وكبسناه نكايةً… ثم لمْ نلحقْ أنْ نبقَّ بحصةَ تعصيبنا وقهرنا إلا وعادوا وقطعوها لـ”المحروسة”… إلهي يحرسهن من العين… إلهي!