هكذا هي السياسة الأمريكية

لم يعد أي شي من شأنه أن يضمن الأمن والسلم الدوليين ضرورياً بالنسبة إلى واشنطن، تتنصل من المعاهدات والمواثيق، تنسحب بشكل فج من الاتفاقات، تتدخل في الأزمات، وتغذي الإرهاب.
آخر ما تمخضت عنه السياسة الأمريكية هو القول إن “مبادرة السلام العربية لم تعد ضرورية”.
لقد أعلنت ذلك كيلي كرافت، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة استماع لمجلس الأمن بشأن وضع السلام في الشرق الأوسط.
الهدف كما أعلنت المسؤولة الأمريكية هو ترويج وتسويق وتعميم “تجربة الرئيس ترامب”، فهذه “التجربة” كما ترى كرافت “أدت إلى السلام، ورؤيتنا ممكنة، وقمنا بالكثير من العمل لتقديم خطة السلام وهي مليئة بالتفاصيل”. على حد قولها، مضيفة: “لم تعد هناك حاجة للمبادرة العربية لعام 2002. صفقة القرن فتحت آفاقاً جديدة أمام الفلسطينيين”.
بصرف النظر هنا عن الآراء المختلفة حول مدى قيمة مبادرة السلام العربية، فإن الملاحظ على ضوء الخطوة الأمريكية الأخيرة أن ثمة إصراراً أمريكياً على الاستئثار بزمام المبادرة والتحرك لرسم وتقرير مستقبل المنطقة، عبر حلول مؤقتة لكن تأثيرها طويل المدى، تكون “واقعاً” لكي تتعامل معها أي إدارة أمريكة جديدة.
حلول تقوم على استبعاد أي دور للمجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة مع “إزاحة” الدور الروسي أو “إجباره” على العمل المشترك وفق “الرؤية” الأمريكية.
فيما يخص عملية السلام تبدو الرسالة الأميركية واضحة وواحدة أيضاً، وهي إقصاء ما مضى من “ترتيبات وفلسفات للحلول”، والتركيز فقط على “ما هو ممكن” بعيداً عن القرارات الدولية أو أي اعتبارات ذات صلة، وأن يتم ذلك من خلال الدور الأميركي دون غيره.. فلا حديث عن حل دولي موسع بصيغة المؤتمر الدولي للسلام، ولا حديث عن “حل الدولتين”، وإنما “دولة فلسطينية مؤقتة”، وهو نفس المشروع الذي كان قد طرحه الإرهابي شارون على السلطة الفلسطينية قبل نحو 25 عاماً! والجديد هو أن يتم ذلك من خلال موافقة عربية قبل كل شيء، أي التطبيع أولاً وقبل إنهاء الاحتلال والاتفاق على قضايا الحل النهائي.
أياً يكن رد الفعل العربي، على هذا الاحتيال الأمريكي، ستبقى “رؤية” واشنطن الجديدة مغلفة بضبابية كثيفة، وتحمل عوامل تفجير دائمة ما يشكل تحديات صعبة وأكثر خطورة على الوضع العربي.
إنها “رؤية العمل بأسلوب “الحلول المؤقتة” أو “القطعة قطعة” والرسالة واضحة: (لا خيار أمامكم.. إما الواقع المرير من خلال الحصار والتضييق والعقوبات، وإما الاستمتاع بحلاوة حليب “القطعة” الأمريكي).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار