حرائق حرقت القلوب

كدت أعتذر عن كتابة الزاوية هذا الأسبوع لشدة الحزن الذي أصابني جراء الحرائق التي التهمت غابات وأحراجاً ومساحات زراعية شاسعة في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية، إذ من الصعب على المرء أن يتمالك نفسه من دون أن يتألم من أعماقه وهو يرى هذه المساحات الخضراء وهي تتحول إلى رماد، فألسنة اللهب المتطاولة والمتسارعة التهمت ربوعاً زاهية يانعة شكلت “جنة” سورية على الأرض ما أحرق القلوب قبل احتراق الهضاب والتلال والوديان.
هذه الكارثة البيئية بهذا الاتساع وهذا الحجم غير مسبوقة في بلادنا وامتداد الحرائق واتصالها وتشكيلها لجبهات من اللهب يمتد لعشرات الكيلومترات بل إن النار وصلت بين أرياف المحافظات الثلاث حمص وطرطوس واللاذقية بحزام من النيران المرعبة من ريف حمص الغربي جنوباً إلى تخوم لواء اسكندرون السليب شمالاً وبمسافة قدرت بأكثر من مئة وثمانين كيلو متراً مربعاً.
وسواء كانت هذه الحرائق بفعل فاعل “وأنا أرجح ذلك” أم غير ذلك فهي مصاب كبير هز الوجدان الوطني السوري في كل مكان واقتضى أن نستخلص الدروس والعبر ونحتاط للمستقبل لحماية أهم الثروات في بلادنا بكل الوسائل والسبل ولا عذر في التقصير بهذه المسؤولية الوطنية العليا، لأن ما أخذته الحرائق في ساعات وأيام قليلة لا يعوض بسنوات بل بعشرات السنين فضلاً عن الخسائر الأخرى الجمة التي يطول شرحها.
غاباتنا الفسيحة النضرة التي كنا نتغنى بها ونفتخر هي أيضاً في المحصلة رئاتنا التي نتنفس منها، فأي مجرم وأي إجرام هذا الذي يرتكب جريمة إشعال الحرائق والتي ترتقي بنظري إلى جريمة خيانة الوطن والأرض والمجتمع، ولا نستبعد أن تكون يد الإرهاب اللئيمة قد امتدت للقيام بهذا الفعل الإجرامي الخطير كوجه آخر من أوجه الإرهاب الذي نواجهه منذ عشر سنوات وقد جاء انتقاماً منحطاً لدحره وكسر شوكته واختار وقتاً عصيباً وحصاراً اقتصادياً جائراً يمارسه رعاته ضد بلادنا.
مهما يكن من أمر فالبطولات التي شاهدناها في إطفاء الحرائق وتعاضد الأهالي مع الجيش ورجال الدفاع المدني في درء هذه الكارثة الكبيرة تؤكد أن لدى شعبنا عزيمة لا تلين في مواجهة المصاعب والمحن وأعمال التخريب مهما اشتدت، والنهوض من جديد ليكون المستقبل أفضل.
tu.saqr@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار