لا مكان للنقد!

يندر أن يمر حوارٌ صحفي من دون المُطالبة بتحييد الكتابة الوصفية المُوازية لمختلف أنواع العروض في المسرح والدراما والتشكيل وغيرها، لكونها لا تُقدِّم أي جدوى يمكن الاتكاء عليها، عدا عن أنها غالباً ما تذهب باتجاه المديح والتصفيق، على حساب نقد حقيقي فاعل.
وإن كان المُنادون بضرورة التمييز بين الكتابة لمجرد الكتابة وما سواها، يُدركون أسباب انكفاء النقّاد، وهي إشكالية ليست بالبسيطة، فهم يتناسون الأسلوب المتبع معظم الأحيان في الرد على النقد، فكتّاب النقد برأي الكثيرين هم فنانون آخرون أنصاف موهوبين، تحركهم الغيرة، ولا غاية لهم سوى الإساءة، وفي أحسن الأحوال هم زملاء سابقون معروفٌ عنهم الحسد و”العين الضيقة”، أو هم صحفيون باحثون عن الشهرة!.
ومع أن الإساءات المتبادلة تبدو واضحة بين فناني الدراما، وهي ليست دائماً نقداً موضوعياً جاداً، لكنها تحضر أيضاً بين التشكيليين بشكل أقل وطأة إعلامياً، وهو ما أفرز مجموعات من “الأكاديميين” و”الموهوبين” و”أشباه الموهوبين”، والأمر ينسحب أيضاً على الفنانين المُهتمين بالمسرح، بحيث تتكرر بعض الوجوه على حساب البقية، والمفارقة أن الكيدية المتبعة، تُنتج حالة فنية قائمة بحد ذاتها، ليست في “الشللية” المُتعارف عليها سابقاً فحسب بل في إفقار الفن من أي قيمة حقيقية. وأذكر هنا ما قاله لي ناقد تشكيلي بأن “الروحانية” و”الطهرانية” التي نظنها، لا تنطبق على السلوك دائماً، وعليه فالفصل طبيعي بين الفنان ومُنتجه الفني!.
وعلى ذلك، لم يستسغ أحد القائمين على صفحة فيسبوك خاصة بإحدى المسرحيات، مقالاً صحفياً أشار إلى خلل ما في العمل، فتجاهله، مقابل عبارات شكر طنانة لأصحاب مواد صحفية أخرى مادحة، كذلك يتعالى عشرات الكتّاب والمخرجين على معظم ما يُنشر عن أعمالهم في الموسم الدرامي، ولا يُكلفون أنفسهم مجرد الرد أو التعقيب أو حتى توضيح ما لديهم، ثم يأتي هؤلاء ويُطالبون بالنقد!.
والأسوأ من هذا كله، أن تكون الشتيمة والإهانة الشخصية، والتقليل من شأن ما يُكتب، هي الرد على أي مقال يُظهر نقصاً أو تراجعاً أو يتضمن ببساطة وجهة نظر لا تروق لشاعر أو رسام أو مخرج أو كاتب، لأنهم كما يقال فوق النقد، والوصف حقيقة ليس إلا اجتراراً لما لا يُثير في المُتابع أي تعاطف أو اهتمام، أو أن هذا المُتابع أيّاً كان، لا يمتلك رصيداً يُؤهله لإبداء الرأي، وفي الحالتين لا مكان لرأي آخر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار