شُبُهات

ثمة بونٌ شاسعٌ بين أن تستخدمَ اللغة كأداة مباهاة، و أن تعرفَ أنها الحاملُ الموضوعيّ لزهر المعاني بالصمت متفكّراً وأن تسلّمَ منساباً تسليماً فطرياً بالأمر شاكراً سعيداً بجني شيْءٍ من أشياءَ ثمينةٍ جمّة تختزنها عبقريةُ العربية؛ تويجاتٍ ومياسم وأكماماً وبتلاتٍ, وصولاً لطيب ثمرها قطوفاً، تتغيرُ في لغتنا العربية بشكلٍ متفرّدٍ خاصٍّ بتغيّر حركاتها في كلِّ حرفٍ من أجزاء الكلمة، سواءٌ كان في أولها أو وسطها أو آخرها، وتلك ميزةٌ تبدي عبقرية العربية على رغم أنف الراغبين بطمسها، ولعلَّ التمكُّنَ من اللغة سماعاً أقربُ إلى الفطرة وبالتالي إلى الصواب موهبةً منه إلى الدراسة الأكاديمية، وقد لاحظتُ عياناً، ذلك مع عدد من الزملاء الذين شاركوني العمل في التدقيق اللغوي في أخبار الإذاعة والأخبار المتلفزة لسنواتٍ خلت، وسقى الله تلك الأيام، ومن المفيد الإشارة إلى أنَّ جلّهم كانوا من كتّاب وأهل الأدب قصةً أو شعراً..
وعلى ذكر السماعي والأكاديمي أذكر أننا سجّلنا خطأً دقيقاً لأحد مذيعي تلك الفترة، فجاءنا بـِ (القياس), متوهماً أنه أوقعنا في مصيدته، وقال: نعم لقد لفظتُ كلمة ( أشياءً) بتنوين الفتح لأنها غير ممنوعة من الصرف، ألا نقول: أنباءً وأدواءً وأنداءً وأشلاءً.. وبدأ يعدد مفاخراً ما شاء له التعداد على المنوال ذاته، قلنا له: كلّ ما ذكرته صحيح مئةٌ في المئة، فأخذته مشاعر الفخر والاستعلاء إلى أن قلنا مؤكدين: ( إلّا ) أشياء، فردَّ مصرّاً ملحّاً معانداً وقد أخذته الشبهاتُ اللغويةُ وأوقعته بشباكها قائلاً: كل تلك الأسماء المتوازنة المتشابهة تُصرف صرفاً، فعلامَ لا تُقاس عليها ( أشياء) وهي على وزنها، فقلنا له: على رسلك يا أخا الإذاعة فالعجلةُ تودي إلى غير ما يُرام، كلمة (أشياء) تحديداً ممنوعةٌ من الصرف، لأنها هكذا جاءت في القرآن الكريم، وهو الشاهدُ اللغويُّ الأول والأخير لكل أساتيذ ومجامع اللغة في عواصم العرب، فأُفحم صاحبنا وأُسقط في يده ولاذ بالصمت لواذَ من عرف متيقناً وأوقن شاكراً، سقى الله ثرى ذلك الإعلامي المذيع المؤدّب الفطن، ويا ليت مذيعي الأخبار الملوّنة اليوم يقتدون ببعض ما اقتدى!.ر

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار