يُحكى عن امرأةٍ عجوز؛ أنّ بعضَ أقاربها وأولادها عاتبوها لأنها تركت الجميع يواجهون الغزاة في الحرب المشتعلة على بعد عدة قرى ولم تبرحْ بيتها أو “حاكورتها”، بل بقيت فيها تشتل غرسات السبانخ والسلق وتعشّب وتقلّم عرائش العنب وتسقي رياحينها وورودٍ سمَّتْ كلَّ ضُمّةٍ منها على اسم واحدٍ من أولادها وبناتها. وكلما عاتبها أحدٌ ردّت عليه: “ستكتشفون يوماً ما، يا مجانين أنّ ما أفعله لا يقلّ أهميةً عن حمل السلاح”.
يظلّ هذا المقطع يتوارد إلى خاطري ويُشعِل وجداني امتناناً عميقاً من القلب كلّما رأيت عامل النظافة الخمسيني الذي أصادفه يومياً ممسكاً مكنسته بهمّة المحارب في صقيع الشتاء ولهيب الصيف ليخلّصنا من أوساخٍ تركها الناس في الشارع دون أي إحساس بالخجل من أنفسهم على الأقل وبلا أي تقديرٍ لتعب الآخرين ومعاناتهم وانخساف أرواحهم تحت ضغط أمراض الجسد المتراكمة مع تراكم الهموم والخيبات.
كما أستعيد تلك الحكاية كلما اصطدمت بأشخاص سلبيّين تتأكّلهم الطاقة التشاؤميّة لدرجة أنهم يبعثون الهمَّ والغمَّ والتوتر لمن حولهم لكثرة ما يتذمّرون ويندبون دون أن يبادروا لفعل ما ينقذ أرواحهم وأرواح من يتقاسمون معهم العيش في البيت أو العمل أو البلد ناسين أو متناسين أن الفعل الإيجابي يستدعي فعلاً إيجابياً آخر أو كما تقول جداتنا “الشغل بيجرّ شغل يا أبني حتى لو كان في أبسط الأفعال أو الحركات كالابتسامة في وجه الآخرين والإيمان العيمق بأن زراعة شجرة والعناية بها لا تقلّ أهميةً عن زراعة الإنسان والإخلاص في تربيته وتثقيفه وتخليصه من شوائب روحه.
ذات يوم مرّ أحد السياسيين برجلٍ يعمل، فلم يتوقّف ذاك العامل عمّا يقوم به ليقدّم له التحية، غضِبَ رجلُ السياسة وقال له: ألا تعلم مَنْ أنا؟ لماذا لم تتوقف حين رأيتني؟ أجابه العامل: “نعم أعرفك، لكنّ عملي وانحناءة ظهري هي من أوصلك لِما أنت عليه اليوم، فالأجدر بك أنت أن تتوقفَ لتحيّتي.
قد يعجبك ايضا