ولا مَنْ يسمعون!

ابتهجوا وهلّلوا وارقصوا طرباً وانشراحاً؛ فمَنْ فاته قطارُ الدراما الرمضانية سيعيش «الآكشن» في عروض حيّة مباشرة أمام عينيه المنتفختين مثل عيون الضفادع من الدهشة، ومَنْ لم يمتْ بالـ«كورونا» ستشويه نارُ الصيف اللاهبة، ومَنْ نجا من جحيمها الكاوي سيغرقُ بفعل ذوبان ثلوج القطبين حيث يتنبأ العلماء أنّ مناطقَ كثيرة من العالم ستغرق بماء الفيضانات وليس كما غرق عبد الحليم حافظ تحت ماء الحبّ والانتظار، ومَن لم يشهدْ على الفضائيات تراجيديا «التقليز» والشِّواء أو كوميديا البوتوكس الذائب تحت أشعة اللهفة واندلاق ماكياج الحبّ الافتراضي والتشويق المتكوّن من عمليات المحقق «كونان» المتضافرة مع استنتاجات «شارلوك هولمز» ونبوءات «نوستراداموس» السّاحر؛ سيكون على موعد يوميّ مع كل هذا المزيج النادر وفقط بجولة سريعة على الأسواق.
إذ سيتحول المواطن نفسه إلى «لوكيشن/أرض الحدث الدرامي» بفضل الإخراج الفانتازي لبعض المعنيين بالتمازج مع «الميزانسين» الكارثيّ لمهندسي الخطط الإنتاجية والتنموية مع المونتاج المتقاطع بين مشهد تصريحات عجائبية تنتمي إلى «الواق واق» مثل «ضرورة استنهاض مقومات تكثيف الإنتاج وتوسيع وتطوير آفاق التعاون الدولي لتحقيق تكامل نوعي يجعل من التوريدات منهجية منتظمة لتأمين متطلبات الحياة اليومية» ومشهد ارتفاع ضغط الدم والسكّري والفتاق وصرخات الناس وهم يتحضّرون لعيدٍ لم يبقَ شيءٌ منه سوى بعض الذكريات التي يحفظها السوريون بقلوبهم خوفاً عليها من غول الزمن هي الأخرى.
فعلاً إنّ الحياة أكثرُ عجباً من العجائب نفسها، وما نعيشُه في الواقع يكادُ لا يحصل حتى في أسوأ كوابيسنا، فلا الكلامُ بات نافعاً لأننا صرنا كمن يصرخ في البريّة حيث كما كانت جدتي تقول بلهجتها الساخرة «الدنيا قفرا.. نفرا…لا وحش يسير ولا طير يطير ولا مَنْ يسمعون»، والصمتُ الذي قال عنه حكماء الزمان «إنه دواءُ العقل والروح» يكادُ هو أيضاً أنْ يكونَ إعصاراً محبوساً في زجاجة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار