“لماذا الفن” برؤية ثلاثة نقاد..
تشرين- ثناء عليان:
الأديب مالك صقور من المجيدين في كتابة القصة والنقد والترجمة، صدر له العديد من المؤلفات والدراسات والترجمات كان آخرها “لماذا الفن” الصادر عن دار دلمون الجديدة، هذا الكتاب الذي أقام له المركز الثقافي في طرطوس ندوة شارك فيها كل من: الدكتورة هناء إسماعيل، والزميل الصحفي والأديب علي الراعي والمترجم شاهر نصر.
الهم الإبداعي
وتحت عنوان وحدة الهم الإبداعي لدى الباحث والأديب مالك صقور تحدثت الدكتورة هناء إسماعيل عن عتبات الفضاء النصي في الكتاب، وتناولت العنوان وتركيبه النحوي ومؤشرات ذلك، وفي عتبة المؤلف أشارت إلى دور الخبرات القرائية بأدب صقور في الاستهداء بمضمون “لماذا الفن”، إذ يقع الهم الإبداعي على خدمة الطبقة الكادحة المهمشة الشعبية، بعيداً عن النفاق العام في الأدب والفن على حد سواء، والانتصار لمقولات شعبية الفن.
وفي الغلاف –تضيف إسماعيل- نلاحظ أن “لماذا” مرسومة بخط كبير نسبياً أكثر من تتمة السؤال نفسه، ما يعلل أن الغاية من هذا الكتاب ليس البحث في طبيعة الفن رغم أنه بحث فيه، ولكن البحث عن علة الفن وغايته وهو الإنسان، مشيرة إلى أن الكاتب بحث في تطور الفن وأنواع الفنون وقام بتخصيص فصل لكل علم من علماء الجمال على مر العصور، مركزاً على من برز لديه هذا الميل التربوي للفن بدءاً من سقراط وأفلاطون وأرسطو الذين هم آباء التنظير الجمالي.
الشفاء الروحي والجسدي
حيث تطرق الباحث إلى المعجزة الإغريقية التي أولاها اهتماماً كبيراً في تشوق الإنسان إلى الكمال، مع مرور سريع على الحضارة الهيلينية لدى كل من زينون وأبيقور، وليكمل سريعاً إلى الصين وبيزنطة وفن القرون الوسطى بما فيه الإسلام، مفرداً المجال لكبار المنظرين في الفن كابن سينا والفارابي وإخوان الصفا ممثلاً لأبحاثهم بفن الموسيقا وقدرته على الشفاء الروحي والجسدي، ومن ذلك تطرق إلى أنواع الموسيقا والأصوات وتدرجاتها وسوى ذلك ليس بقصد الترويج لها، وإنما بقصد التأكيد على موقع الإنسان في هذه الفنون وفي الفلسفة الجمالية لتلك المرحلة.
أزمنة سحيقة
بدوره بيّن الزميل علي الراعي أن الباحث لم يكتفِ بأن عنون الكتاب بسؤال “لماذا”، بل اتبعه بعددٍ مشابه من الأسئلة التي فاضت بها الصفحتان الأولى والثانية من الكتاب، وقبل أن يُجيب عنها الباحث؛ فقد احتاجت منه أن يأخذنا إلى أزمنة بعيدة جداً، وربما أزمنة سحيقة، منذ أول كائنٍ بشري وقف على قدميه، و”شخبر” على جدران كهفه أو مغارته، في أول (محاكاة) لمشهدٍ رآه في الطبيعة من حوله، فتأثر به، وكثفه على الجدار، ليبدأ من هناك البحث في المدونة الإنسانية، شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً إلى اليوم..
ظاهرة اجتماعية معقدة
ويذكر إنّ: الفن ظاهرة اجتماعية بالغة التعقيد.. وهي ظاهرة قديمة، ومغرقة في القدم، وعمرها من عمر الإنسان نفسه، تعود لأول مرة وقف هذا الكائن على قدميه، وانفصل عن القطيع الحيواني، ومن ثمَّ استمر بالتطور منذُ تلك اللحظة، ولايزال يتطور حتى اللحظة الراهنة..
تاريخ الفن
يمتد تاريخ الفن اليوم كسلسة طويلة –حسب الراعي- تصلُ حلقاتها الكثيرة بين الإنسان من طرف، وبين العالم المحيط به من طرفٍ آخر، وهذا ما جعل الفن يخلق رابطة بين الإنسان (الفرد) من جهة، وبين العالم المحيط به (المتعدد) من جهة أخرى، وهذه السلسلة الطويلة من تاريخ الفن تبدأ من الفن قبل التاريخ، وحتى اليوم.. الفن الذي بدأ بالمحاكاة للطبيعة، وبقي كذلك محاكاة للواقع، أو إعادة تجسيد، وإيضاح معنى الحياة..
وهو ما يُشكل خلاصة هذه الدراسة، حيث تكمن ضرورة الفن لأنه: يُجسد الواقع، بما يعني تفسيره، ومن ثمّ الحكم عليه، وفي التنوير والكشف، أي تسليط الضوء على ما يجري، والتنبؤ والتحذير، ومن ثمّ التحريض والتغيير، وصولاً للعزاء، وتحقيق الذات، التي ختامها الحكمة..
الفن الحقيقي الأصيل
وكان الختام مع المترجم شاهر نصر إذ أكد أن كتاب “لماذا الفنّ؟” قد أفاده بالعودة إلى أهم النظريات في الفنّ وعلم الجمال، وأسهم بتحفيزه للبحث في دور الفنّ في معالجة الأزمة، التي تعانيها بلادنا، وشعوبنا، والبشرية في عصرنا الحالي، التي تتجلى في انتشار الاستبداد، والفساد، والفروقات الطبقية الحادة، والخبل العام، الذي يغلب على وعيها.
ولفت إلى أنّ الفنّ الحقيقي الأصيل يروق للسّادة وللعبيد، أيضاً، فضلاً عن أنّه لا العبيد ولا النّاس العاديين وحدهم من حولوا العمل إلى فنّ، بل ثمّة أناس موهوبون يمتلكون هبة متميزة خاصة نقلوا صور ومخططات هذه العمارات من أذهانهم إلى الورق مِنْ ثّم إلى الواقع، فالعبيد والعمال والفلاحون يسهمون في تجسيد الفنّ، وليسوا هم وحدهم من يبدعه.
وظائف الفن
وأشار إلى أن مؤلف الكتاب يقدم جواباً عن سؤاله الأساسي: “لماذا الفنّ؟” مستعرضاً عدداً من وظائف الفنّ، ومؤكداً أن الفنّ الحقيقي، هو الذي يصدم الحواس، ويسلب اللب، ويريح الذهن، ويهذّب النفس، ويتوق الإنسان إلى الاستمتاع بسحره باستمرار.
ويرى نصر إننا في أمس الحاجة إلى إعمال العقل، لمواجهة الفنّ المنحط المشوّه، وثقافة الحروب وأقطابها، والخبل الفكري المنتشر في بلادنا وفي هذا العالم، مؤكداً أنّ الثقافة والفنّ يساعدان في رفع وعي الإنسان، وتهذيب نفسه، وكبح غرائزه العدوانية، ويسهمان في علاج كثير من أمراض المجتمعات البشرية.