ثقافة الأبراج

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي

ذات مرة وقعت عيني على خبر نشرته إحدى الصحف العربية، يقول: «إن رجلاً طلّق ‏زوجته، والسبب في ذلك الطلاق المفاجئ – الذي وقع على رأس الزوجة وأهلها كالصاعقة- هو ‏أن الرجل يؤمن كثيراً بالأبراج وزوايا «حظك هذا اليوم» و«برجك هذا الأسبوع» وغيرها ‏من المسميات، وقد أخبره الفلكي عبر برجه بأن يقوم بتطليق زوجته فوراً، لأنها سبب ‌‏«النحس» الذي يلازمه طوال العقدين الأخيرين من حياته.‏

وهكذا وجد هذا الرجل نفسه أمام أقرب «مأذون» ليتخلص من النحس ويطلّق زوجته المسكينة ‏التي كانت قد أعدّت لزوجها ذلك اليوم أطباقاً شهية من الطعام ومفاجأة سارة، إذ ورثت عن أحد ‏أقربائها الذي يعيش في الخارج مبلغاً ضخماً، وكانت تنوي إعطاءه لزوجها من أجل أن يفتح ‏مشروعاً تجارياً مناسباً يجعلهما يعيشان في بحبوحة بقية حياتهما معاً.. وفي غلطة واحدة ضاع ‏كل شيء تقريباً، ولم يبق للزوج المسكين سوى كتب الحظ والتنجيم والفلك ومجلّات الأبراج، ‏وهكذا انتهى الأمر نهاية غير سعيدة وليس كنهايات بعض الأفلام العربية.‏

هذه القصة التي أوردها هذا الخبر أتذكرها كل يوم تقريباً وأنا أراقب الكثيرين من القرّاء، ‏مثقفين وغيرهم وهم يقرؤون في الصحافة العربية، أولاً زاوية الحظ والأبراج، وكثير منهم ‏ينظرون إلى الأمر بجدية، يتأثرون بالكلمات المنتقاة من «الفلكي المزعوم»، ويعلّقون ‏بصوت عالٍ إثر كل عبارة: «صحيح.. كله صحيح والله!»، ويمكن ملاحظة هذا الأمر بكثافة من ‏خلال وجود أحدنا في عمله أو المقهى أو المركز الثقافي، وحينما تفتح الصحيفة يكون همّ ‏القرّاء مشاهدة صفحة الأبراج قبل كل شيء، وتبدأ العيون بملاحقة الكلمات عبر الأسطر ‏القليلة الخاصة بكل برج، وعلى إثر ذلك أيضاً يبدأ جدل جانبي يوضح ويستفهم ويؤكد صحة ‏ما جاء في «برجها».‏

وفي جهة مقابلة هناك من يبدأ يومه بقراءة ما جاء به «برجه» ليتصرف على أساسه، أو ‏لينتظر رسالة من صديقه، أو يعود إلى علاقته العاطفية السابقة من أجل حب قديم يتجدد، أو ‏يتوسط حتى يُنقل من دائرته إلى دائرة أكثر أهمية، أو «أقل أهمية»، لا يهم، من أجل تحقيق ‌‏«مكاسب مادية»، أو يسافر في رحلات شركات السفر والسياحة، ويصرف الذي ادّخره كله ‏من أجل عيون الفلكيين الذين نصحوه بالسفر والتغيير.‏

إنها محاولات لإيهام النفس بأن كل شيء على ما يرام من خلال «أبراج» تمتلئ بها الصحف ‏والمجلات، وعبر الإذاعات، لا تنفع، وأحياناّ كثيرة تضر إذا ما جعلها البعض «منهاجاً» ‏لحياته يسير عليه ويلتزم بما جاء فيه حرفياً، متناسياً أن الغيب والأقدار والأرزاق وكل ما ‏يتعلق بحياتنا بيد الله سبحانه وتعالى وحده، وليس علينا إلا أن نجعل أعيننا «تستمتع» بثقافات ‏أخرى أكثر وأعم فائدة للجميع.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار