مسكونةً بجنون العظمة والخرافات.. أطماع «إسرائيل» الدينية الجديدة في الأردن وسورية ومصر ولبنان والعراق والسعودية
تشرين- يسرى المصري:
هل أصبحت حقيقة لا نقاش فيها..! ماذا تخطط إسرائيل..؟ وهل يطفىء نهمها للدماء قتل آلاف الأبرياء وتجويع ومنع وصول الطعام والمياه والدواء لعشرات آلاف الفلسطينيين المحاصرين، والإبادة الجماعية في ظل حالة جنون العظمة وشعارات حلم العودة و«إسرائيل الكبرى»؟
يرى بعض المحللين السياسيين أن هذه هي الحرب الأولى التي تجري في ظل حكم جماعات تيار الصهيونية الدينية الكاهاني، الذي لا يؤمن بالآخر أصلاً، كما لا يؤمن بفكرة السلام ولا غيرها فيما يتعلق بالعرب، بل يؤمن بالإزالة الكاملة والإبادة الشاملة. ومن الغريب أن صعود هذا التيار وأثره البالغ في استمرار هذه الحرب وتوسيعها رافقته إعادة ظهور فكرة “إسرائيل الكبرى” مرةً أخرى، تلك الفكرة التي سعت تيارات السلام إلى نفيها فيما مضى.
في وثائقيٍّ أنتجته شبكة وكالات إعلامية تحت عنوان «الخلاص المقدس»، تتحدث دانييلا فايس، إحدى أكبر قيادات هذا التيار والمتخصصة في التخطيط والتحريض على الاستيطان في الضفة الغربية وتجنيد ميليشيات ما يعرف باسم “فتية التلال” من غلاة المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، وتقول: “حدود دولة اليهود هي الحدود من الفرات إلى النيل”.
وعندما سُئلت في المقابلة عن كون هذه الحدود تشمل أراضي من دول أخرى قالت: “بالطبع، تشمل أراضي من دول أخرى، لكن لدينا كتابنا المقدس، وهو الوثيقة الوحيدة التي نحتاجها”.. وهي تشير هنا إلى آيةٍ من سفر التكوين (15: 18) في التوراة: (لنسلك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات)، وهي وأتباعها يقررون أن المقصود من نسل إبراهيم المذكور في هذا النص الديني هم بنو إسرائيل أو اليهود اليوم.
فكرة “إسرائيل الكبرى ” لم تكن يوماً خيالاً، وإنما رؤية حقيقية تسعى الجماعات الدينية المتطرفة في إسرائيل إلى تحقيقها، ضاربةً عرض الحائط بأحلام السلام أو الاستقرار الإقليمي.
ودانييلا فايس ليست مجرد شخصيةٍ متطرفةٍ هامشية في إسرائيل، وإنما تعد قياديةً فعليةً في الدولة، وهي إحدى المسؤولات عن حركة الاستيطان في الضفة الغربية، وتمثل إحدى الأذرع الأساسية لتيار الصهيونية الدينية.
ظهور آخر كان ” لوزير المالية الإسرائيلي”، حيث ظهر سموتريتش يومها يقف على منصة تحمل شعاراً يشبه شعار منظمة الأرغون الإرهابية، إذ تحمل صورة الأردن وفلسطين معاً، مع الشمعدان اليهودي وعبارة “إسرائيل إلى الأبد”.. وأثار هذا الظهور يومها حفيظة الأردن الذي أصدر بياناً رسمياً أدان فيه هذا التصرف.
إلا أن سموتريتش عاد مرةً أخرى ليثير حفيظة العالم بتصريح مثير ظهر خلال مشاركته في وثائقي فرنسي بعنوان: “إسرائيل: وزراء الفوضى” نشر نهاية شهر أيلول الماضي، حين أجاب عن سؤالٍ حول رغبته بدولة يهودية كاملة، وما إذا كانت السيادة اليهودية في نظره ينبغي أن تمتد على كامل المنطقة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، قائلاً: “نعم، في الوقت الحالي”، ما حدا بالصحفي أن يستوضح فيما لو كانت السيادة اليهودية في نظره ستمتد إلى شرق نهر الأردن، فأجاب: “نعم، بهدوء”، ثم أوضح مقصده قائلاً: “في نصوصنا المقدسة ورد أن القدس وحدها ستمتد إلى دمشق”، واصفاً في ذلك رؤيته حول إسرائيل الكبرى.
لكن الظهور الأهم كان لبعض جنود الاحتلال في غزة من أتباع تيار الصهيونية الدينية الذي يتزعمه سموتريتش وبن غفير، وهم يرتدون شعاراً يحتوي على خريطةً لما يسمى “إسرائيل الكبرى” وتمتد بوضوح بين الفرات والنيل مع عبارة “أرض إسرائيل الموعودة”، وتظهر فيها معالم تشمل أراضي من مصر وفلسطين والأردن ولبنان وسورية والعراق والسعودية.
فكرة «إسرائيل الكبرى»
إن ما كشفته الأحداث منذ «طوفان الأقصى» حتى اليوم يؤكد أن أطماع إسرائيل الدينية الجديدة في الأردن وسورية ومصر ولبنان والعراق والسعودية حقيقة لا نقاش فيها، فإسرائيل في أصلها دولةٌ إحلالية، واليوم أصبحت فوق ذلك دولةً ثيوقراطيةً مسكونةً بجنون العظمة والخرافات الدينية.
هذه الأحداث المتسارعة والمتتالية تبين أن ما يسمى حلم “إسرائيل الكبرى” لم يكن يوماً خيالاً، كما لم يكن مجرد حلمٍ لدى بعض المتطرفين المهووسين بالميثولوجيا أو النصوص الدينية المقدسة، وإنما هو رؤية حقيقية يرى كثير من أبناء التيارات الدينية المتطرفة في إسرائيل وخارجها أنها ستتحقق كما تحقق غيرها من “المعجزات”.
خطة الجنرالات
وفي هذا السياق شن الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال نشره موقع “ميدل إيست أي” هجوماً لاذعاً على ما يسميها “خطة الجنرالات” الإسرائيليين للخروج من مأزق الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة وجنوب لبنان.
فما “خطة الجنرالات هذه؟ وماذا تعني للحرب في غزة؟ يجيب هيرست في مقاله بالموقع الذي يرأس تحريره، موضحاً أن الخطة وضعها الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي غيورا آيلاند الذي يعترف بأن تكتيكات إسرائيل في غزة قد فشلت، إذ في كل مرة يفرغ الجنود من “تطهير” منطقة في القطاع من مقاتلي حماس فإنهم ما يلبثون أن يظهروا مرة أخرى.
«خطة الجنرالات الإسرائيليين» هي إجبار 400 ألف من سكان شمال غزة على الخروج بتخييرهم بين التضور جوعاً أو الموت
وقال: إن الحل الذي يقترحه آيلاند في خطته لا يتمثل في حل الأزمة بالتفاوض، بل في إجبار 400 ألف من سكان شمال غزة على الخروج بتخييرهم بين التضور جوعاً أو الموت.
ويروج آيلاند لخطته على أنها هي الطريقة الوحيدة لتحقيق أهداف إسرائيل من الحرب، وقد حظيت الخطة بدعم واسع النطاق في دولة الاحتلال من الجيش و(الكنيست) ووسائل الإعلام.
ومضى هيرست إلى القول: إن صور “إرهاب الحرب” التي ترتكبها إسرائيل في غزة أو لبنان لا تدخل قوائم الترشيح لجائزة بوليتزر، كما أنها لا تستثير بيانات إدانة من رؤساء الولايات المتحدة أو رؤساء حكومات بريطانيا الحاليين والسابقين، أو تصريحات تعبر عن اشمئزازهم من الفظائع التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة أو لبنان.
لا توجد محاذير في النقاشات
وأضاف: لا توجد محاذير في النقاشات الدائرة في إسرائيل، ولا حتى حول استخدام مصطلحات مثل “الإبادة”.
وذكر الكاتب البريطاني أنه حتى المؤرخين في إسرائيل يحرضون على الإبادة الجماعية، فهذا عوزي رابي -وهو كبير المحاضرين في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإفريقية بجامعة تل أبيب، والذي يعد أيضاً من أبرز الخبراء الإسرائيليين بشؤون المنطقة- صرح في مقابلة تلفزيونية أجريت معه الشهر الماضي بأن “كل من سيبقى هناك (شمال غزة) سيحكم عليه القانون كإرهابي وسيخضع إما لعملية تجويع أو إبادة”.
ونقل هيرست عن أحد الصحفيين الذين يعيشون في جحيم القصف الإسرائيلي المتواصل في غزة قوله: إن الناس هناك -خاصة في جباليا- لم يتزحزحوا، بل يفضلون الموت في الشوارع على الرحيل إلى الجنوب.
ويعتقد هيرست أن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت فقط، قبل أن تجر هذه الحرب وتلك التكتيكات كل دولة في المنطقة تهددها إسرائيل بالقصف وبطموحاتها التوسعية.
ويحذر الكاتب من أن هذه الحرب تهدد هوية الدول على حد سواء في سورية والأردن والعراق وإيران، فهي “حرب وجود”.
وفي ختام مقاله تساءل هيرست عما إذا كانت هذه حرب أبدية؟ وهل ستنتهي بالاحتلال أم التراجع؟ ويجيب عن ذلك بأنه ليس متأكداً، فإذا كانت “إسرائيل” لم تعد قادرة على إعادة حساباتها والتوقف وإعادة التفكير “فهي تسير بلا تبصر نحو زوالها”.