في الإعلام سموه سجالاً، رغم أنه حقيقة تاريخية مثبتة بالوقائع والشهود، وبكمِّ الجرائم المروعة التي نفذها الكيان الإسرائيلي وصولاً إلى قرار التقسيم في الأمم المتحدة عام 1948 الذي شرعن هذه الجرائم (وكل ما لحقها حتى اليوم) ضمن «دولة» إسرائيلية وأخرى فلسطينية. وفي حين وفر المجتمع الدولي وضمنه الأمم المتحدة كل أسباب قيام الأولى وقوتها واستقرارها، تجاهل الثانية وتركها وحدها لمصيرها بمواجهة دولة الإرهاب الإسرائيلية، وصولاً إلى حرب الإبادة التي تتعرض لها وبدعم كامل أكبر وأوسع مع كل ما توفره أميركا لهذا الإرهاب من دعم ورعاية وحماية وتسليح.
مرد ما سبق هو مضي أسبوع تقريباً على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي قال فيها: إن على نتنياهو ألا ينسى أن «إسرائيل» أنشئت بقرار من الأمم المتحدة (وعليه تالياً ألا يتنصل من القرارات الأممية). وتصريحات ماكرون جاءت بعد استهداف الكيان الإسرائيلي لقوات لحفظ السلام الأممية/يونيفيل، مرات عدة أوقعت إصابات بينها. وفرنسا كما هو معروف لها قوات ضمن اليونيفيل. (تصريحات ماكرون نقلتها صحيفة لوباريزيان الفرنسية وقالت إنها لم تكن للنشر باعتبار أن ماكرون أدلى بها خلال جلسة مغلقة لمجلس الوزراء الفرنسي يوم الثلاثاء الماضي).
هذا التصريح، وطيلة أسبوع مضى، لم يأخذ حقه بالمطلق لناحية التغطية الإعلامية، حتى الوسائل الإعلامية (وكانت قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة) التي أوردته سمته سجالاً، في كذب يرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية، كونه يتستر على حقيقة الجريمة التاريخية التي ارتكبت بحق فلسطين وشعبها، لناحية الفاعلين والداعمين… أكثر من ذلك جاء الإيراد هامشياً رغم أنه جوهر الميدان المفتوح في المنطقة.
لن نشكر ماكرون على تصريحه بالطبع، فلا فضل له وهو الذي يغرد ضمن السرب الأميركي الداعم للمجازر الإسرائيلية. ولن نقول هنا أن يفتح «سجالاً» مع نتنياهو بهدف فضحه وفضح مخططاته، أو من باب الإدانة، وإلا كان يفترض به أن يطلق تصريحاته علناً، وليس ضمن جلسة مغلقة مُحاذراً أن تتجاوز جدران قاعة الاجتماع.
لن نشكر ماكرون وهو الذي يعمد في كل مرة إلى إطلاق تصريحات أكبر من حجمه، ومن حجم فرنسا، ثم يتراجع عنها، بعدما تصله رسائل «تذكير» بحجمه وحجم بلاده.. وعليه نعتقد أنه لن يكررها مرة أخرى حتى ضمن الغرف المغلقة.
الأهم الأخطر الذي يجعل ذلك «السجال» ناقصاً هو رد نتنياهو على ماكرون الذي قال فيه إن «إسرائيل قامت بموجب حرب الاستقلال الذي تحقق بدماء المقاتلين الأبطال، وبينهم العديد من الناجين من المحرقة، خصوصاً من نظام فيشي في فرنسا».
ماكرون لم يرد، رغم أنه كان بإمكانه محاججة نتنياهو، تاريخياً وإنسانياً، وبقرار الأمم المتحدة نفسه. كان بإمكانه فتح سجال على مستوى دولي في حال كان جاداً في مهاجمة نتنياهو، وفي حال كان هناك جدية فرنسية حقيقية في وقف الجرائم والحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان كما يزعم ماكرون.
كان بإمكانه أن يسأل عن أي حرب استقلال يتحدث عنها نتنياهو، استقلال عن من، وحرب ضد من؟
كان بإمكانه أن يسأله عن أي «مقاتلين أبطال» ومن كانوا يقاتلون إذا كان الشعب الفلسطيني، عندما بدأت العصابات الصهيونية تستقر في فلسطين بدعم بريطاني.. كان شعباً أعزل، وكانت العصابات الصهيونية تهاجم القرى وتقتل أهلها بدم بارد دون تفريق بين صغير وكبير، بين امرأة أو رجل؟
كان بإمكانه أن يسأله ما علاقة «الناجين من المحرقة» بالشعب الفلسطيني، وهل كانت العصابات الصهيونية تخوض «حرب استقلال» في أوروبا من أجل أن تقيم دولة في فلسطين؟
لكن ماكرون لم يرد، لم يكمل السجال، ليكون كما نظراؤه الغربيون، يعرفون ويكذبون. يعرفون وينكرون. يعرفون ويديرون ظهرهم للتاريخ. يعرفون القاتل ويعرفون الضحية. لا يحمون الضحية ولا يحاسبون القاتل.. لماذا؟
لأنه «أدنى»، أي الضحية، أي الفلسطيني. هكذا قال كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، في تعليقه على جريمة اغتيال الكيان الإسرائيلي يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.