سعادةٌ بعد المعاناة!
قد لا تكون السعادة بأن يتاح لك كل ما تريده بلا أي عثرات أو مشكلات، إذ اعتاد كثيرون من “معسوري” الحال أن يحولوا مظاهر الإحباط والإنهاك من عيش المعاناة تلو الأخرى إلى مظاهر سعادة وتلذذ بانتهائها، ولو أن في ذلك مخالطةً لوهم السعادة أحياناً.
عندما تصحو باكراً قبل الذهاب إلى عملك وتبدأ بتحضير نفسك بكل خفة مقصودة وتغادر قبل أن تستيقظ زوجتك وتسألك ماذا تقترح لطعام الغداء اليوم؟ فهذه من أسعد لحظات حياتك.
وعندما لا تجد مكاناً لتركب بداخل الباص ليس جلوساً ولا وقوفاً بل (شعبطة) على الباب وأنت تحبس الأنفاس خوفاً من السقوط بأي لحظة، ومن ثم تصل بسلام إلى وجهتك، فهذه من أمتع اللحظات.
وحينما تبلغ دوامك بلا فطور ولا تقدر على شراء سندويشة تسد بها جوعك، وتبقى أمعاؤك تتلوى طول النهار من شدة الجوع حتى تعود إلى المنزل، ومن ثم يحين موعد تناولك الطعام بشهية إلى حدّ الشراهة، فهذه من أروع اللحظات.
وعندما تحتار كيف تتدبر مصرف ابنك الذاهب في صباح اليوم التالي إلى جامعته في محافظة أخرى، ولا تنام الليل وأنت تفكر كم تعطيه، وإذا أعطيته كذا فلن يبقى في البيت إلا كذا، وتنام مع طلوع الفجر والكوابيس تسيطر عليك، ومن ثم تستيقظ منهكاً متثاقلاً لتجد ابنك وهو يخبرك بأنه لن يذهب هذا الأسبوع، لأن محاضرات العملي أُجلت، فهذه تعد من اللحظات التي لا تعوض.
ومتى بدأت ابنتك في مرحلة التعليم الأساسي أو الثانوي بطلب اللباس المدرسي من قميص وبنطال وبوط، ولا تجد سبيلاً إلى تدبر قيمتها مجتمعةً، وتبدأ بالمماطلة والتأجيل ومحاولة الإقناع بحذف أحد بنودها، وبعد يوم أو يومين تخبرك زوجتك بأنها تدبرت لها من أخواتها الكبيرات ومن قريبات لها ما تيسر من لباس يؤدي الغاية، لكن بعد إصلاحات بسيطة عند الخياط، فهذه من أكثر اللحظات فرحاً.
وفي الوقت الذي تبلغك زوجتك بأن أقارب لكما قد حجزوا برحلة موعدها بعد أسبوع لقضاء إجازتهم بينكم، وتبدأ بضرب الأخماس بالأسداس وأنت تحسب الميزانية المطلوبة للقيام بالواجب، وقد تصاب بالكآبة والإحباط لـ”تسونامي” العبء القادم إليك والذي قد ينعكس توتراً ورعباً على الأسرة برمتها، وبعد يومين تعود لتخبرك زوجتك بأنهم قرروا إلغاء قدومهم لأن الشركة التي يعمل فيها الأب لم توافق على الإجازة، فهذه من أحلى اللحظات.
إذاً، استطعنا بعد سنوات من ضيق الحال أن نتكيف مع الواقع ونخرج من معاناتنا شبه اليومية، وإن مؤقتاً بنهايات نتوهم أنها سعيدة، ويفتقد لذتها ميسورو الحال، حيث لا تمر بهم مثل تلك المعاناة، وبالتأكيد لدى الكثير منكم أعزائي القرّاء لحظات ممتعة من قبيل ما ذكرناه، وإن رغبتم علقوا وعبروا عنها لعلنا نعمم عيش لحظات الفرح بيننا.