سمّ في الدسم” واستنزاف متسارع للاقتصاد والصحة ..المستهلكون يدفعون فاتورة السلع غير الآمنة من جيوبهم
تشرين – يسرى المصري:
سلع وأدوات غير غذائية مختلفة تعج بها الأسواق منها المستورد ومنها محلي المنشأ، كثير منها لا يتطابق ومعايير السلامة، أو لا يوفر ضمانات لعمر اقتصادي للسلعة يكافئ الثمن المدفوع لاقتنائها.. والمحصلة يدفع المستهلك الضريبة الباهظة.. فمن المسؤول عن إزالة السلع المخالفة من السوق؟
تطول وتتطاول قائمة السلع الاستهلاكية المعمرة وغير المعمرة والسلع اللينة المتوفرة في الأسواق والتي لا تخضع لمعايير الجودة والمراقبة، وتسبب خسائر قد تكون مادية وقد تمس الأجساد والأرواح كلها ناتجة عن تشتت مسؤوليات الرقابة على السلع غير الغذائية في الأسواق.
رقابة مشتتة على المواد غير الغذائية في الأسواق
نقرأ في بعض الضبوط والمخالفات.. شامبو أطفال ملوث بجراثيم قد تؤدي الإصابة بها إلى حدوث التهاب دموي حاد والتهاب سحايا وملتحمة العين لدى الأطفال عند الاستخدام، ألعاب أطفال قد تحتوي على مركبات أو أجزاء تلحق ضرراً صحياً بهم، عداد وقود غير دقيق في محطة وقود يجعلك تخسر الكثير من النقود.. استخدام مبيدات زراعية فقدت فاعليتها تعرض الفلاح إلى خسارة قيمتها المدفوعة وخسائر اقتصادية فادحة.. تلفزيون.. حاسب آلي جديد قد يتعرض لعطل بعد فترة وجيزة من شرائه ونفقد قيمته النقدية، سيارة قد تكون غير مستوفية شروط الأمان، غسالة أو مكواة أو شاحن كهرباء لم يخضع أي منها لرقابة الجودة، وقد تتلف بعد فترة وجيزة جداً من استعمالها وقد تعرض مستخدمها للموت.. أسطوانة غاز جرى إهمال في تدقيق سلامتها ربما تشكل كوارث وتسبب فقدان مواطنين أبرياء.
من هو المستهلك؟
يقول المهندس عدنان هواري لدى البرنامج الوطني لدعم الجودة: وفقاً للقانون 14 لعام 2015 المستهلك هو كل شخص طبيعي أو اعتباري يشتري سلعاً استهلاكية بأنواعها المختلفة غذائية كانت أم زراعية أو صناعية بهدف التغذية أو لاستخدامها للأغراض الشخصية أو المنزلية أو الذي يستفيد من أي خدمة مقدمة من فرد أو مجموعة من الأفراد أو من شخص اعتباري في مختلف المجالات المنصوص عليها في هذا القانون.
خبراء يطالبون بمراقبة السوق في مجال سلامة المنتجات الاستهلاكية غير الغذائية!
ويضيف: لدينا يقين ثابت بأن جميع المواطنين لديهم الحق في الحصول على السلع غير الغذائية الآمنة، وخدمات ذات جودة عالية، فنحن جميعاً مستهلكون نشتري يومياً السلع الضرورية، ونستخدم الهواتف النقالة للتواصل مع العالم، نحن نستهلك كل يوم وفي كل جزء من حياتنا ومن حقنا الوصول إلى الأشياء والخدمات الأساسية التي نحتاج إليها للعيش على أن تكون آمنة ومضمونة وذات جودة عالية .
قانون يضمن أمان السلع
يؤكد المحامي أيمن زند الحديد: يتم تعريف المُنتَجْ بأنه كل مُنْتَج غذائي أو صناعي أو زراعي أو حرفي أو خدمي بما في ذلك المواد الأولية المكونة للمادة المصنعة ونصف المصنعة أو الخدمة المقدمة من أي جهة خدمية في مختلف المجالات.
أما السلعة فقد تم تعريفها على أنها أي مُنْتَج غذائي أو صناعي أو زراعي أو خدمي معد للاستخدام الشخصي للمستهلك.
ويلحظ القانون أنه يجب أن يكون المُنْتَجْ مطابقاً ومحققاً للمواصفات القياسية والمتطلبات الصحية والبيئية والأمان الخاصة به، وفي حال عدم وجودها فتخضع للقرارات والتعليمات الصادرة عن الوزارة ويلتزم المُنتِجْ والبائع بالإعلان عن مواصفات المُنْتَج ونوعه وطريقة حفظه وتخزينه واستعماله ومدة الصلاحية إذا كانت طبيعة المنتج تتطلب ذلك.
وفي حال وقوع أضرار شخصية على المستهلك من جراء شراء أو استخدام مُنْتَج أو استهلاك مادة فإن المُنْتِجْ ومقدم الخدمة مسؤولان بالتضامن عن جبر الضرر بالتعويض، ويتم التعويض عليه أو إعادة المنتَج أو استبداله أو استرداد المبالغ التي دفعها لقاء المنتَج أو الخدمة المقدمة له.
ويضمن المُنْتِجْ أو المستورد أو البائع جودة السلعة بعد انتقال ملكيتها إلى المستهلك ضمن مدة الكفالة، ويعد باطلاً كل شرط عقدي يتعارض مع حق المستهلك في الكفالة بما في ذلك خدمات الصيانة.. ويصدر الوزير التعليمات اللازمة حول طرق الضمان الخاصة بكل منتج والتزاماته في حال اكتشاف عيب لاحق.. وله الحق باستشارة غرفة التجارة أو الصناعة أو السياحة أو اتحاد الحرفيين أو جمعية حماية المستهلك بهذا الخصوص.
ولكن ما هو واقع الحال؟
رئيس اتحاد حرفيين سابق في دمشق سبق أن صرح لوسائل الإعلام بأن ما تصرح به مديريات حماية المستهلك كل فترة عن وجود مخالفات تم ضبطها وقمع المخالفين لم يحقق النتائج المطلوبة، ويمكن القول إن لا رقابة مجدية على الأسواق، والسؤال لو تم إلغاء هذه المديرية هل يمكن ضبط الأسواق بشكل أفضل؟
ما حقيقة الموقف؟
يؤكد المهندس خبير الجودة أن الجهات الحكومية تقوم بالتحقق من مطابقة المنتجات المطروحة في الأسواق من حيث توفر متطلبات السلامة والأمان، وتشمل المنتجات السلع المختلفة مثل: الكيميائيات كالصابون والمنظفات والدهانات والمحروقات, والنسيج كالألبسة ومواد البناء كالإسمنت والبلوك .
التحقق من مطابقة المنتج للمواصفات في المراكز الحدودية يقتصر على المنشأ والسعر فقط
أما بقية المواد: المنتجات المتعلقة بالأجهزة الكهربائية, العصرونية، مواد ومستحضرات التجميل، الحواسيب والهواتف وأجهزة القياس، والمعدات الطبية، القرطاسية، معظم ألعاب الأطفال … إلخ فلا تخضع لرقابة تذكر في المرحلة الحالية، ويتم أحياناً التحقق من مطابقتها للمواصفات النافذة في المراكز الحدودية وغالباً من حيث المنشأ والسعر فقط .
من المسؤول عن إزالة المنتجات غير الآمنة من الأسواق؟
في واقع الحال نجد أن عدداً كبيراً من الجهات الحكومية مسؤولة بموجب القوانين عن الرقابة على الأسواق كل فيما يخصه: وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.. وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.. وزارة الإدارة المحلية.. وزارة الكهرباء.. وزارة الصحة.. وزارة النفط والثروة المعدنية.. وزارة السياحة.. المديرية العامة للجمارك وغيرها، وتداخل في الصلاحيات وربما تتعارض في تطبيق المعايير المتعلقة بالسلامة العامة، إضافة إلى تباين طرق تدريب وتأهيل المفتشين العاملين في تلك الجهات ما يولد زوايا رؤيا مختلفة لمدى مطابقة السلع غير الغذائية للمواصفات القياسية أو معايير السلامة والأمان.
وبموجب القوانين النافذة تتلقى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك شكاوى المواطنين من وجود سلع غير آمنة أو مخالفة لشروط السلامة، كما تقوم دورياتها بجولات ميدانية على الأسواق للتحقق من سلامة السلع الموضوعة بالاستهلاك وربما تقوم بسحب عينات لتدقيق سلامتها في المخابر المختصة، ومن ثم يفترض أن تقوم بسحب السلع المخالفة من السوق .
بدورها المديرية العامة للجمارك تقوم بالتأكد من سلامة السلع المستوردة من خلال مطابقة بطاقات البيانات المرفقة بها مع البضائع الواردة، ويفترض أنها تمنع دخول سلع لا تتطابق والمواصفات القياسية المعتمدة محلياً أو لا تتطابق مع معايير السلامة والأمان.
عقوبات تناسب السوق
ماذا عن عقوبات مخالفة ضبط الجودة؟
حسب القوانين المعمول بها يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة مالية يتم تقديرها أو بإحدى هاتين العقوبتين ويحكم بإغلاق المحل أو المنشأة كل من خدع المتعاقد معه بأي طريقة من الطرق المخالفة.
وتشدد العقوبة في كل الحالات السابقة إلى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة المالية أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا ارتكب الجرم باستعمال طرق أو مقاييس أو مكاييل أو دمغات أو آلات فحص أخرى مزيفة أو مختلفة أو باستعمال إشارات أو شهادات مطابقة المنتج للمواصفة أو أي شهادة متعلقة بالحصول على أنظمة إدارة الجودة الصادرة عن الجهات المختصة بقصد غش المستهلك أو إيهامه بأن المنتج مطابق للمواصفة أو اتباع أسلوب يوهم المستهلك بقرب نفاد المنتج من شأنه جعل عملية وزن البضاعة أو قياسها أو كيلها أو فحصها غير صحيحة، ولو حصل ذلك قبل إجراء العمليات المذكورة.
ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع منتجات معدة للبيع باسم معين تخالف العناصر التي يجب أن تدخل في تركيبها أو باع مثل هذه المنتجات أو عرضها للبيع أو حازها بقصد البيع أو وضع بيانات عليها غير مطابقة للحقيقة.
نظام التفتيش
على الضفة الأخرى نسمع من المنتجين والصناعيين وأصحاب الحرف أنه يجب ألا يكون نظام التفتيش عبئاً لا مبرر له على الفعاليات الاقتصادية، فكيف وُضع الميزان في هذه المعادلة الصعبة؟
يرى بعض الخبراء أنه نظراً لتعدد الجهات المعنية بمراقبة الأسواق تحدث ازدواجية الرقابة في المكان والقطاع الواحد، حيث يتكرر أخذ العينات من المكان نفسه ومن أكثر من جهة (تجارة داخلية، جمارك، حجر زراعي أو بيطري في المركز الحدودي) والشؤون الصحية في السوق الداخلي، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى تأخير في العمل وتحميل المستورد غرامات تأخير ونفقات أرضيات وأجور مستودعات ريثما تتم عملية التحقق، ما يزيد من الكلف غير المبررة، لذلك لا بد من معالجة هذه المسألة من خلال تنسيق جهود العمل بين الجهات المعنية وتجنيب الفعاليات الاقتصادية هدر الوقت والإمكانات.
المطلوب لضمان أمان السلع غير الغذائية
هناك حزمة من الإجراءات لا بد من اتخاذها لضمان أمن السلع غير الغذائية وتخفيف العبء عن الفعاليات الاقتصادية والسلاسل التجارية المتعددة، ومن أهم تلك الإجراءات :
• تحديد سياسة عامة لرقابة الأسواق تتوافق مع السياسة الوطنية للجودة تضمن سلامة المنتجات المطروحة في الأسواق للإنسان والبيئة .
• تعزيز البنية التحتية للجودة الحالية وتوفير احتياجاتها بشكل متكامل على مستوى القطر بما يؤمن تنفيذ السياسة المذكورة (مخابر, أجهزة رقابية, تدريب, أجهزة).