سوق العمل مُشوه وغير واضح المعالم وقصور المناهج يحرج الخريجين أمام بدهيات سوق العمل الجديدة.. و«مجلس المعاهد التقانية» يفصح عن تحديثات واختصاصات جديدة تواكب الاحتياجات
تشرين – زينب خليل:
في عالم تتسارع فيه عجلة التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، وتتغير فيه متطلبات سوق سوق العمل واحتياجات المجتمع المحلي بشكل مستمر، تبرز أهمية تأمين كوادر بشرية مؤهلة ومدربة كعامل حاسم في تعزيز القدرة التنافسية لأي دولة، إذ يعدّ رفد سوق العمل بهذه الكوادر حجر الأساس لتحقيق اقتصاد قوي ومستدام وضمان الاستمرارية في مواجهة التحديات المستجدة.
ولتوفير هذه الكوادر، تصبح مسألة تطوير المناهج التعليمية والتدريبية والمهنية ضرورة اقتصادية ملحة، وليست مجرد حاجة تربوية، فالثورة الصناعية الاقتصادية الجديدة تفرض على الأنظمة التعليمية ضرورة مواكبة هذه المتغيرات، لضمان تأهيل جيل قادر على التنافس في سوق العمل المحلي أو العالمي.
رفد سوق العمل بالكوادر المُؤهلة والمُدربة حجر الأساس لبناء اقتصاد قوي ومستدام يواكب التطور المتسارع
التحديث مرتبط بالاحتياجات
أمين المجلس الأعلى للتعليم التقاني الدكتور عاصم قدّاح، تحدث لـ”تشرين” عن إمكانية وآلية تطوير البرامج التعليمية والتدريبية في المعاهد التقانية السورية، وإحداث معاهد لاختصاصات جديدة، وأكد أن المجلس الأعلى للتعليم التقاني يسعى بشكل دائم إلى تطوير البرامج التعليمية والتدريبية والخطط الدرسية، بما يتماشى مع متطلبات واحتياجات سوق العمل، إذ تم تحديث المناهج في المعاهد التقانية لطب الأسنان هذا العام، ويتم العمل حالياً على تشكيل لجان لتطوير المناهج في المعاهد التقانية التابعة لوزارتي الصناعة والسياحة، أما بالنسبة للعامين الماضيين فقد تمت إعادة بناء الخطط الدرسية للمعاهد التقانية الهندسية التي تتبع لجامعات القطر، والمعاهد التابعة لوزارة النفط، ووصلنا من خلالها إلى نتائج جيدة، ويجب التأكيد أنه ليس بالضرورة أن نحدث معهداً لكل اختصاص موجود، إذ توجد اختصاصات مهنية لا تتطلب بناء برنامج تعليمي لها، وإنما هي بحاجة فقط للتدريب المهني، وفي المقابل توجد اختصاصات أخرى لابد من إحداث برنامج تعليمي كامل لها، مع تحديد المدة الزمنية اللازمة لدراستها.
قدّاح: تحديث المناهج في المعاهد التقانية لطب الأسنان والعمل على تحديث مناهج المعاهد التقانية التابعة لوزارتي الصناعة والسياحة
لجان لتطوير الخطط
وأضاف د. قدّاح: ” تضم اللجان المختصة بتطوير الخطط الدرسية والبرامج التعليمية شركاء من المُشغلين للخريجين في سوق العمل، إضافة إلى مخاطبة الشركات المُشغلة من القطاعين العام والخاص، والتي تُشغل الخريج باختصاصات معينة للتواصل والنقاش والتحقق من حجم احتياجاتها من الخريجين، ولتحديد التوصيف المهني الدقيق للخريج، بمعنى ما المواصفات المطلوب توافرها في خريجي المعاهد التي هم بحاجة إليها؟
تلبية احتياجات السوق من الخريجين
وعن دور وزارة التعليم العالي في عملية تطوير البرامج التعليمية والمهنية، يؤكد أمين المجلس «أن عملية التطوير هي عبارة عن دائرة متكاملة مؤلفة من سوق العمل والتعليم الأكاديمي والمهني والإدارة العامة لهذه العملية، ووزارة التعليم كجهة تعليمية خدمية من واجبها تلبية احتياجات السوق من الخريجين، ولكن سوق العمل هو من يعرف حاجته، وهو من يجب أن يطلب تأهيل كوادر في مجالات معينة، كما أنه المسؤول المباشر والمعني بتحديد هذه الاحتياجات من الكوادر وحجمها وتوصيفها، فطريقة تخمين الاحتياج لن تؤدي إلى نتائج مرضية إلا في حال كانت مرتبطة بمنهجية البحث العلمي التي نعمل عليها، أي أن نلاحظ تطوراً علمياً في مجال معين سيفتح آفاقاً جديدة، حينها يجب أن نحدث اختصاصاً يتوافق مع هذا التطور».
سوق العمل هو المسؤول المباشر والمعني بتحديد احتياجاته من الكوادر وحجمها وتوصيفها
العرض والطلب
أما بالنسبة للأعداد الكبيرة للخريجين الذين غالباً لا يحصلون على فرص عمل مناسبة لاختصاصاتهم، فيشرح الدكتور قدّاح قائلاً: “مشكلة العرض والطلب سببها الرئيسي أيضاً عدم دراسة متطلبات السوق، فالتعليم ليس من وظيفته أن يحدد إذا ما كان عدد الخريجين مناسباً أو كافياً لملء الشواغر المتوافرة أو غير كافٍ، إنها مهمة المُشغل في سوق العمل.. فالتعليم يقدم عرضه والسوق يختار ما يناسبه فقط، أما في حال كان السوق هو من يطلب العدد، في هذه الحالة لن نعرض، وإنما سنقدم ما يطلب فقط، إذ يوجد فارق كبير بالفاعلية بالنسبة لقيمة المنتج التعليمي، فعندما يكون لدي عرض وليس هناك طلب حتماً ستنخفض قيمة التعليم، أما إذا كان العرض على مستوى الطلب أو أكثر بقليل، فستكون هناك منافسة في قطاعات الإنتاج كلها للحصول على أفضل الخريجين، ما يعود بتحسن كبير على واقع الخريجين وحتى على المردود المادي الذي سيتقاضونه. ”
عندما يكون العرض على مستوى الطلب ستكون قيمة المنتج التعليمي أعلى وتعود بالفائدة على واقع الخريجين
ترخيص مزاولة المهنة
وأوضح أمين المجلس الأعلى للتعليم التقاني ” أن كل الاحتياجات مغطاة تعليمياً، أما بالنسبة للتصنيف المهني فإن المهن التي يحتاجها المجتمع أكبر بكثير من المهن التي تُدرس في الثانويات المهنية، إذ لا توجد مرجعية معتمدة لأصحاب المهن الذين يقدمون هذه الخدمات، لذلك نحن بحاجة لوجود هيئة تحدد مستوى المهارات وجودة الخدمات لكل حرفي أو صاحب مهنة، عن طريق فحص وتقييم عمله، وتحديد مستوى مهارته التي ستحدد طبيعة العمل الذي سيعمل به، ومن ثم تمنحه الترخيص النظامي لمزاولة المهنة.”
سوق عمل مُشوّه
د. قداح أشار إلى أنه غالباً ما نواجه مشكلة في سوق العمل، فسوق العمل مُشوه وغير واضح أو مُنظم وليس دقيقاً أيضاً، فعلى سبيل المثال لا يجوز تركيب أي منظومة طاقة شمسية إلا بوجود مهندس مختص وخريج معهد دبلوم تقانة ومجموعة من الحرفيين لتنفيذ مجموعة من الأعمال، فالقاعدة الحديدية المعدنية مثلاً يجب أن تتم دراستها من مهندس، إذ يجب مراعاة عدة أمور تقنية قبل التركيب وحساب الارتفاع وسرعة الرياح، وأن قيام شخص واحد بكل هذا العمل سيكون عملاً غير صحيح لما يتحمله من مخاطر وهدر بالمواد.
وختم الدكتور قداح حديثه بأن ” مسألة سوق العمل وتخطيط التعليم وتطوير المناهج والخطط الدراسية، ودورات التأهيل والتدريب المستمرين، هي طريقة التفكير المحددة مسبقاً لكيفية دعم الاقتصاد الوطني بتأمين الكوادر البشرية اللازمة له.. فالتعليم التقاني في المعاهد التقانية يشكل حلقة أساسية مهمة جداً في منظومة التعليم وفي سوق العمل، وتكتسب أهميتها من موقعها في سوق العمل، وهذه الأهمية لن تأخذ حجمها الطبيعي إلا في حال أصبح لدينا سوق عمل مُنظم وواضح المعالم، وهذا ينسحب على حملة الشهادات الجامعية والتعليم المهني وبناء القدرات البشرية في البلاد. “