أميركا التي تتغير
ليست استطلاعات الرأي وحدها من تعطي كامالا هاريس الأفضلية في السباق الرئاسي. هناك أيضاً وسائل الإعلام الأميركية، بحيث لا يحتاج المرء كثير عناء ليتلمّس ذلك الاتجاه السائد إعلامياً والذي يركز على أن هاريس هي من سيفوز في اليوم الموعود في الـ5 من تشرين الثاني المقبل. ومن غير المعروف هل أن هذا الاتجاه من قبيل الدعم لهاريس، أو من قبيل إيهام الرأي العام الأميركي أنها أفضل من منافسها دونالد ترامب، أم أن هذا ما سيحدث فعلاً، أي أنها ستتمكن فعلاً من الفوز لتصبح أول إمرأة رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية؟
ورغم كل الانتقادات اللاذعة الموجهة لهاريس، ورغم أن هناك شبه اتفاق على أنها لا تملك مقومات ولا إمكانيات أن تكون رئيسة للبلاد، إلا أن ذلك لا يقلل ولا يقلص ولا يلغي مسألة أن الأميركيين يُبدون بشكل عام تأييدهم لها، وهذا لا يتعلق بكونها إمرأة، أو أنهم يريدون خرق القواعد التاريخية للانتخابات الأميركية بتولية إمرأة على البلاد.. المسألة تبدو أعمق وأوسع من عملية انتخاب اعتادها الأميركيون (والعالم). المسألة ربما تتعلق أكثر في أن أميركا تتغير فعلاً من الداخل. الأميركيون يتغيرون. الاتجاهات العامة والثابتة في السياسات الداخلية والخارجية لم يَعُد لها الوَقْعُ نفسه. ربما كانت البداية المعلنة لهذا الاتجاه مع هزيمة ترامب أمام الرئيس الحالي جو بايدن في عام 2020 وعملية اقتحام الكابيتول وما رافقها من أعمال عنف لم يكن ليُصدق أي أحد أنها يمكن أن تحدث في الولايات المتحدة الأميركية لتبدو وكأنها تحولت فجأة إلى إحدى دول العالم الثالث، وليست أميركا التي تتربع على عرش القيادة العالمية.
ربما هذا الاقتحام في وقته، أي قبل أربع سنوات تقريباً، لم يُظهر الصورة كاملة، لكنها اليوم تظهر عملياً وفي ميدان الانتخابات الحالية. بات الأميركون أكثر تمرداً، إذا جاز لنا التعبير، على القواعد والثوابت، وربما يجدون في هاريس ما يدفعهم إلى تحقيق هذا التمرد، أياً تكن نتائجه. ربما يجدون في هاريس شخصاً يشبههم، شخص مختلف عن كل الرؤساء والمرشحين السابقين المتشابهين في الخلفيات والبرامج. وهذا ليس مديحاً لها بقدر ما هو تدليل على مسألة أن الأميركيون يريدون تحقيق الاختلاف، أو لنقل التغيير، ولو من باب التغيير إذا افترضنا أن ما ذكر سابقاً حول أن «أميركا تتغير من الداخل» ليس صحيحاً.
لا شك أن الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب، أكثر من يدرك حقيقة الموقف، خصوصاً وأن الخصم الديمقراطي بات يوجه ضربات مباشرة مؤلمة، ومن حيث لم يحتسب ترامب الذي لم يعتقد أنه سيكون في موقع بايدن نفسه بعدما بات (أي ترامب) العجوز الذي اختاره الحزب الجمهوري لمنافسة هاريس، التي تعد شابة مقارنة به.
مع ذلك، هناك شهران ونصف الشهر على موعد التصويت، وهو عملياً وقت كاف ليستطيع ترامب استعادة زمام السباق إذا ما عرف كيف يتصيّد منافسته هاريس في مواطن ضعفها، وهي كثيرة وظاهرة. وربما تكون المناظرة التي ستجمعهما في 10 أيلول المقبل، مفصلية خصوصاً لترامب باعتباره هو من يجهد في سباق تتقدم فيه هاريس بخمس نقاط ثمينة.