هروبٌ إلى الشّرقِ الأوسطِ

لم يكن يخطرُ على بال أكثرِ مشعوذي السياسةِ جرأةً و تطرفاً، أن “التحالفات” ستكون ذات يوم صيغةَ الاستلابِ والاستغلال ورهنَ المصائر، التي ستلجأ إليها الولايات المتحدة الأميركية، وهي تمتطي “صهوات” آخرين في سباقها إلى مضماراتِ مصالحها المنتشرةِ في هذا العالمِ.

منذ بدايةِ توازناتِ الرعب كان “ناتو”، القنبلةَ الموقوتةَ التي تم تفجيرها حيث تقتضي المصلحة الأميركية، وغالباً لم ينجُ المقربون من الشظايا.. ومع متوالية العنف في بقاع متفرقةٍ لا تجمعها إلا أطماعُ أحفاد العم سام، بدأ الحلفاء في حظيرة الناتو يتلمسون حقيقةَ أنهم أكثر الخاسرين، وهم بحق، شركاءُ مأزومون في دفع فاتورة هيجانات الولايات المتحدة الأميركية، لا شركاءَ الأخيرةِ في حصاد المكاسب، وهو وعيٌ متأخرٌ ظهر بُعيد الحرب الأوكرانية بقليل.
والغريب أن واشنطن أدركت مثل هذه اليقظة في العقل الباطن لحلفائها قبل أن يفصحوا عنها، فتعددت خياراتها ومساعيها لاستنساخ أحلافٍ موازيةٍ، لتوزيع ثقلها وحضورها الضاغط على مختلف قارات هذا العالم، لأهدافٍ متفاوتةٍ بين التوريط.. والاحتواء.. والاستثمار.. بل والاستعمار بمفرداتٍ جديدةٍ وعصريةٍ، تبدو مقبولةً ومُظرّفة، وربما محببة لحلفاء جدد لم يخفوا شغفهم بضمهم إلى نادٍ ظنوه فخرياً للوهلة الأولى.

المهم أن كل الاستنساخات الجارية للحلف القديم، أبقت الأنظار معلقةً عليه تترقب مصيره، مع محاولات تدعيمه وإسناده بعكازات مذهبةٍ، التي لم تمنع الظهور المعلن لقناعات شبه محسومة بأن “ناتو” العجوز  ذاهب باتجاه المقبرة لامحالة.
لاسيما وأن النعيات تتوالى في المجال الأوروبي “مضمار الخديعة الكبرى”.. على شكل صحوةٍ بدأت بلكنةٍ فرنسيةٍ هادئةٍ واستمرت لتصبح صراخاً بصوت ماكرون المأزوم فعلاً في الداخل كما في المستعمرات الإفريقية القديمة.

على العموم نحن أمام ارتساماتٍ جديدةٍ لخريطة مصالح عالمية، يجري إعدادها في الظلّ أكثر مما هو في الضوء.. ولايخلو الأمر من خداعٍ وجحودٍ تمارسه واشنطن بحق حلفائها القدامى.. فماذا عن الحلفاء الجدد؟

هل يعني تداعي هيكل الناتو أن منطقة الشرق الأوسط ستنعم بالاستقرار، أم إنها ستكون أقرب إلى تحالفاتٍ جديدةٍ و بؤر افتعال أزماتٍ وغرف إنتاج للكوارث أقرب جغرافياً من “غرفة عمليات ناتو”..؟

وماذا عن إمكانية إقامة تحالفات “توازن رعب” خاليةٍ من البصمات الأميركية؟
وهل ستنجح التحالفات الناشئة باتجاه كسر الأحادية القطبية في تفادي التسلل الأميركي إليها، ومنع استدراج الفاعلين فيها؟
تساؤلات تبدأ مع ملامح انهيار “ناتو” ولا تنتهي مع الملفات المتعددة و الكثيرة المفتوحة التي يبدو أن منطقة الشرق الأوسط تحظى بالحصة الأكبر منها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار