ماكينة دبلوماسية تُحذر من ضربة استباقية.. واشنطن تستبق «الردود» باحتواء مزيف والكيان يهرب من الترقب إلى التهديد

تشرين- هبا علي أحمد:
عند كل منعطف ومفصل تشكله الأحداث الدائرة منذ عشرة أشهر من العدوان الإسرائيلي على غزة، تدخل المنطقة في تعقيدات وتساؤلات واحتمالات وسط ضبابية قاتمة، سواء لناحية التصعيد أم الاحتواء ونتائجهما، والثابت أن كلاً من واشنطن والكيان الصهيوني وحلفهما، لا يبحثون عن حلول بقدر ما يبحثون عن تصعيد مغلف بخديعة الاحتواء وتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة، ولا سيما مع انتظار الرد الإيراني والمقاومة اللبنانية/ حزب الله، والخشية من اختراق الردّين قواعد الاشتباك، وبالتالي توسع الحرب من دون أن تكون باليد الأميركية، لذلك تلعب واشنطن باتجاه إعطاء دفعة للمفاوضات بين الكيان والمقاومة الفلسطينية وترسل مسؤوليها إلى المنطقة، لكنها خدعة ثانية تزامنت مع «مجزرة الفجر»، والثابت لناحية المجزرة تكرار الإدانات والتنديدات التي لا طائلة منها، بل تساهم في استمرار الجرائم الصهيونية، والجميع يُدرك أنّ الاحتلال لا يريد وقف الحرب على غزة.

واشنطن والكيان الصهيوني لا يبحثان عن حلول بقدر ما يبحثان عن تصعيد مغلف بخديعة الاحتواء وتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة

وعلى القاعدة المعمول بها أن كل الاحتمالات واردة، فإن احتمال ضربة إسرائيلية استباقية تستهدف طهران وحزب الله يرِد في العديد من التقارير الإعلامية، ورغم أن كل شيء وارد، لكن في الوقت ذاته ربما يدخل ذلك في إطار التهويل وبث صورة «متماسكة» للكيان الذي أنهك وهو ينتظر «الردود»، مع الحديث عن التنسيق مع العراق واليمن، لكن من دون من يجيب لتاريخه.

عملية استباقية
بناء على ما سبق تشتغل الماكينة الدبلوماسية في توجيه التحذيرات للبنان، وليس من المعلوم إن كانت لخدمة لبنان أم لخدمة الكيان وواشنطن، لكن التحذيرات تُفيد بأن «إسرائيل» تحضّر لعمل عسكري استباقي محتمل ضد حزب الله وإيران، وذكرت التحذيرات بناء على مصدر لبناني، أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو سيفاوض في الخامس عشر من الشهر الجاري على تسوية حول وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى بالنار، وسيعتمد تكثيف وتصعيد العمليات الحربية الدموية، حتى يفرض شروطه في التسوية كما في غزة، كذلك على جبهة لبنان، مشيرة إلى أن القضية لم تعد إقناع إيران وحزب الله بعدم الرد، إنما بإقناع نتنياهو بعدم الذهاب إلى ضربة استباقية في لبنان وفي إيران، من خلال التركيز على بنك أهداف يعده حيوياً لحزب الله، وكذلك استهداف البرنامج النووي الإيراني وتحديداً ضرب مفاعل «أراك» النووي، وإذا حصلت هذه العملية الاستباقية فهذا يعني أننا ذاهبون إلى موجة عالية السقوف من التصعيد الكبير.

تحذيرات تُفيد بأن «إسرائيل» تحضّر لعمل عسكري استباقي محتمل ضد حزب الله وإيران

هذه المعطيات لا تلغي التحذيرات المستمرة داخل كيان الاحتلال من «الردود» المرتقبة، إذ حذّرت مصادر «رفيعة» في المؤسسة الأمنية والعسكرية في كيان الاحتلال من تغييرٍ استراتيجي في الشرق الأوسط، وفق موقع «والاه»، وقالت المصادر: إنّ التحذيرات تأتي لأنّ كل الدول في المنطقة «لبنان، العراق، اليمن، إيران» تعمل في توقيتٍ مشترك ضد «إسرائيل»، مضيفةً: إنه «يجب اعتبار محور الأعداء كياناً واحداً حتى إشعار آخر»، ووصفته بأنّه سحابة سوداء تخيّم على «إسرائيل».

وتحدثت «يديعوت أحرونوت» عن تقديرات إسرائيلية بأنّ حزب الله مصمم على الرد على اغتيال الشهيد القائد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، في الأيام القريبة المقبلة، وأنّه لن يغير خططه، مشيرة إلى أنّ سلسلة جهات لبنانية داخلية وخارجية تعمل في الخلفية على تعديل رد حزب الله، فيما يبدو أنّه مصرّ على إخراجه إلى حيز التنفيذ، مثلما تُبيّن تقارير إعلامية، ورسائل مختلفة يجري تبادلها عبر وسطاء، بينما من المفترض أن تتعامل «إسرائيل» مع هجوم الحزب بمفردها.

سلسلة جهات لبنانية داخلية وخارجية تعمل في الخلفية على تعديل رد حزب الله فيما يبدو أنّه مصرّ على إخراجه إلى حيز التنفيذ

في المقابل، قد تتعاون إيران مع عناصر أخرى – وعلى رأسها القوات المسلحة في اليمن وفي العراق، وذلك من أجل تحدي منظومات «دفاع إسرائيل».

فرصة أخيرة
هذه التحذيرات تزامنت مع مسار تفاوضي مُقرر الخميس المقبل، ويُعد فرصة أخيرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، كما تزامن الحديث عن المسار مع «مجزرة الفجر» الذي ذهب ضحيتها أكثر من مئة شهيد، ما يعني أنها مفاوضات تحت وقت النار والدم والمجازر، وبالتالي لا بد أن نتيجتها واضحة مُسبقاً شأنها شأن سابقاتها من جولات التفاوض، فبات من المعلوم أن العدو لا يبحث عن تفاوض وإنما أساليب للتحايل واستثمار عامل الوقت، تدعمه واشنطن في هذا السياق، إذ ذكرت وسائل إعلام العدو أنه من المتوقع وصول مسؤولين أميركيين بارزين إلى المنطقة قبل مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، مشيرة إلى احتمال وصول بريت ماكغورك، مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى القاهرة لوضع اللمسات الأخيرة على الترتيبات الأمنية على الحدود مع غزة، على أن يحضر رئيس وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز أيضاً إلى منطقة الشرق الأوسط قريباً، موضحة أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سيصل بعد وصول كل من ماكغورك وبيرنز للمشاركة في تلك المفاوضات، وذلك استعدادا للقاء مسؤولين مصريين وقطريين بهدف سد الفجوات بين كل من «حماس» و«إسرائيل».

الانتخابات الأميركية وتشاؤم الوسطاء يجعلان من الصعب التوصل إلى صفقة في المستقبل القريب ويزيدان من الخشية من تصعيد إقليمي

وتحدثت صحيفة «هآرتس» عن أهمية إتمام صفقة وقف إطلاق النار وتبادل أسرى، قائلة: نحن أمام فرصة أخيرة لاستعادة الأسرى، وكل يوم من القتال يقرب المنطقة من تصعيد كبير، مشيرة إلى أنّ القمة الطارئة التي ستُعقد الخميس المقبل، هي دعوة أخيرة لنتنياهو لقيادة صفقة من شأنها إعادة الأسرى الإسرائيليين، وتحقيق وقف إطلاق نار في غزّة، والحد بشكلٍ كبير من خطر نشوب حرب إقليمية مع إيران وحزب الله، وأكدت أنّ الانتخابات الأميركية، وكذلك التشاؤم المتزايد في قطر ومصر، سيجعلان من الصعب التوصل إلى صفقة في المستقبل القريب، كما سيزيدان من الخشية من تصعيد إقليمي، لافتة إلى أنّ الوسطاء يدركون أنّ نتنياهو فضّل الحفاظ على ائتلافه المتسيب بدلاً من إعادة الأسرى وإنهاء الحرب.

مجازر مستمرة
يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة لليوم ال 310، مرتكباً مزيداً من المجازر الدامية بحق المدنيين عبر قصفه المنازل وأماكن النزوح، ما أدى إلى مزيد من الشهداء والجرحى.
وفي آخر الاعتداءات، قصفت مدفعية الاحتلال شرق مخيم البريج وسط القطاع، بينما أطلقت آليات الاحتلال النار باتجاه شمال شرق المخيم، أمّا جنوب قطاع غزة فاستهدفت مدفعية الاحتلال الإسرائيلي غرب مدينة رفح وشمالها، كما استهدفت غارة جوية إسرائيلية بلدة القرارة شمال شرق مدينة خان يونس جنوب القطاع، بالتزامن مع غارات إسرائيلية على غرب منطقة بني سهيلا شرق المدينة.

في المقابل، وفي الضفة الغربية المحتلة، شهدت مدينة نابلس، اشتباكات بين المقاومين الفلسطينيين وقوات جيش الاحتلال التي اقتحمت المدينة، وأكدت سرايا القدس – كتيبة نابلس أنّ مقاتليها تصدّوا لقوات الاحتلال المقتحمة لمخيم العين، واستهدفوا قوات المشاة بوابل من الرصاص والعبوات الناسفة.
بدورها، أعلنت كتائب شهداء الأقصى- نابلس، أنّ مقاتليها تصدوا لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمدينة، مشيرةً إلى أنهم خاضوا اشتباكات مسلحة عنيفة مع القوات المقتحمة في مختلف المحاور واستهدفوها بوابلٍ كثيف من الرصاص.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار