لماذا «آب»؟

وحدهم السوريون يعرفون خصوصية شهر آب في مسيرة بناء الدولة السورية، بعد إنجاز الاستقلال وطرد المحتل الفرنسي، وبالأخص مسيرة بناء جيش قوي وطني متماسك ومتلاحم على عقيدة جامعة عصيّة على التفكك والفتن.

وإن كان الأول من آب شهد صدور بيان التأسيس الرسمي إلا أن شهر آب بكامل أيامه يعد شهراً للتأسيس، لقد مثّل هذا الشهر مسار عمل متواصل أنتج حزماً من المراسيم المتتابعة والقرارات الناظمة لكل شؤون الجيش، ولم يكد يشرف على نهايته إلا وكانت مرحلة التأسيس الفعلية ناجزة ومُعلنة.

لذلك، ولمن ما زالوا يستفتوننا «وهدفهم أن يفتنونا» في جيشنا المشهود له عالمياً، صموداً وبطولات وتضحيات.. وانتصارات، فإننا نردهم إلى مرحلة التأسيس، إلى شهر آب ليقرؤوا ويشهدوا كيف أن رجالات سورية، رجالات الاستقلال، كان هدفهم الأساسي بناء جيش يضم جميع أبناء الوطن، ليس تحت رايته القتالية فقط، بل تحت عقيدته الوطنية/ القومية التي تحصّن الوطن بجميع أبنائه على اختلاف شرائحهم وطوائفهم وانتماءاتهم.. ولا فضل لسوري على آخر إلا بحب الوطن والإخلاص للوطن والموت في سبيل الوطن.

فإذا كان رجالات الاستقلال، ومعهم كل من ساهم ودعم بالعمل المخلص، هم من كل الشرائح والطوائف والانتماءات، فلا بد أن يكون جيشنا كذلك، وعليه لم يكن تأسيس الجيش العربي السوري مجرد بيان فقط، بل كان مرحلة كاملة حاسمة في تاريخ سورية، تمثلت في شهر آب، ليكون شهر التأسيس، وشهر السوريين الذين أنجزوا الدعامة الأقوى للدولة الحديثة الاستقلال.. وكان الجيش المؤَسس عند حسن ظنهم، وحسن عملهم الوطني الدؤوب، كان جيش سورية والسوريين، الذي لم يبرح ميادين المواجهة، لا يهين ولا يستكين، ولا مكان للهزيمة في قاموسه مهما بلغ حجم ومستوى التحديات والهجمات العدوانية.

ولا يخفى على أحد، كم كانت التحديات جساماً في مرحلة ما بعد الاستقلال وما رافقها، على مدى عقدين تقريباً، من اضطرابات وتدخلات خارجية ومؤامرات بهدف منع أن يكون استقلال سورية كاملاً ناجزاً.. هذا قبل أن تستقر في بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث كان للجيش الدور الأبرز، وبما مكّن الدولة – قيادة ومؤسسات – من أن تتفرغ لمرحلة البناء وترسيخ دعامات القوة والمنعة.. وصولاً إلى الاستهداف الأكبر لسورية وجيشها مع الحرب الإرهابية عام 2011.

أيضاً.. لمن يستفتوننا في جيشنا، نردهم إلى مسار التأسيس الشعبي/ المجتمعي الذي رافق مسار التأسيس العسكري والسياسي، ليفهم هؤلاء كيف أن جيشنا هو جيش كل سورية، وكيف أن السوري عندما يتحدث عن جيشه فهو يتحدث عن نفسه، وعن دوره المستمر في تمكين صلابة الجيش وشد عزيمته باعتباره الحاضنة والجبهة الداخلية التي تسنده في كل تحدٍّ ومعركة، وهو ما حرص عليه المؤسسون، وإن كان شهر آب أكثر من أبرز هذا الحرص، وظهّره بصورته الرسمية، إلا أن هذا الحرص كان دائماً حاضراً منذ جيش يوسف العظمة عام 2018 حتى جيش الاستقلال في عام 1946.

فإذا كان السوري يتربى على أن سورية هي أغلى ما يملك، فكيف به إذا كان جندياً يعتنق سورية أمانة ويرفع أمنها راية لا تسقط، وكيف به إذا كان وطنه مستهدفاً وكانت معركته معركة وجود وهوية.

.. وإذا كان السوري يتربى – نهجاً وتعليماً وثقافة – على المقاومة والنضال، وعاش وهو يرى وطنه يعلو ويسمو، ويحجز مكانة متقدمة في محيطه وعلى المستوى الدولي، له قراره وكلمته ودوره الذي لا يستطيع أحد تجاوزه.. كيف يفرط السوري بكل ذلك، وكيف له عندما يكون جندياً إلا أن يقدم الأغلى في سبيل أن يبقى وطنه عالياً شامخاً.

.. وإذا كان الأساس في ولادة الجيش السوري هو الانتصار ودحر المحتل الفرنسي، فكيف يمكن أن يقبل هذا الجيش بدخول محتل جديد.. وإذا كانت نواته الأولى معركة ميسلون فهو لن يسمح بأن يكون وطنه إلا حراً مستقلاً ودون ذلك الشهادة.

كل ما سبق وغيره، كان ديدن شهر آب، شهر الجيش العربي السوري، الذي لن يحيد عن نهج التأسيس، نهج سورية، الوطن والشعب والقيادة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار