غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟
تشرين– مها سلطان:
غموض مشبوه سيبقى محيطاً بمحاولة اغتيال دونالد ترامب، إذ يبدو أن هناك ما يشبه محاولات حرف الأنظار باتجاه العمل الفردي والدوافع الشخصية، فيما المشاهد التي وثقت محاولة الاغتيال، قبل وخلال وبعد، لا تخفي الثغرات التي ظهرت في الرواية الأمنية الرسمية مقارنة مع ما شاهده الأميركيون والعالم، وهذا بالنسبة للمشاهد العادي، فكيف بالمختصين، خصوصاً العاملين في المجال الأمني، هذا الأمر أثار الكثير من التساؤلات، التي ستبقى قائمة إلى حين انكشاف الحقيقة كاملة وراء محاولة اغتيال ترامب.
على أن هذه المسألة قد تأخذ وقتاً، قد يطول إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ5 من تشرين الثاني المقبل، وقد تبقى طي الكتمان من دون إعلان إلا إذا استدعى السباق الرئاسي في مرحلة ما الكشف عنها.
المشاهد التي وثقت محاولة الاغتيال لا تخفي الثغرات «المشبوهة» التي ظهرت في الرواية الأمنية.. الأميركيون شاهدوها وقرؤوها جيداً فكيف بالمختصين الذي لا تفوتهم فائتة؟
ورغم ذلك، فإن النظريات حول من يقف وراء محاولة اغتيال ترامب ستستمر في التدوال، من دون انتظار نتائج التحقيق، سواء كانت المحاولة تدبيراً أم تزييفاً، وفي كلتا الحالتين فإن الأمر سيىء للغاية وسيخيم بتداعياته السلبية جداً على المستويين السياسي والشعبي في البلاد.
أولى النظريات
منذ اللحظات الأولى ما بعد محاولة الاغتيال، انطلقت التحليلات في إثرها.. ضخ إعلامي لا ينقطع، يعرض ويشرح ويحلل ويفسر ويكشف، ولا يزال على هذه الحال، التي انسحبت بطبيعة الحال على الإعلام العالمي، ليعرض ما يظهره مشهد محاولة الاغتيال عبر تحليلات ومقارنات من خارج المشهد الأميركي، أي من خانة من يشاهد عن بُعد، الذي ربما يكون أقدر على إعطاء صورة موضوعية أكثر واقعية لما جرى، وللتداعيات المحتملة.
في وقت متأخر من يوم أمس الإثنين، كشفته قناة «زفيزدا» الروسية أن نتائج الفحص الصوتي الذي أجرته جامعة كولورادو لشرائط فيديو مسجلة خلال إطلاق النار على تجمع جماهيري لأنصار ترامب يوم السبت الماضي، أنه تم استخدام عدة بنادق.
وقالت: إن 3 بنادق من الأسلحة النارية تم استخدامها في عملية استهداف ترامب، وهذا ما يتعارض بشكل جذري مع ما أعلنه مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن مطلق النار الشاب تصرف بمفرده.
وأضافت: يشير الفحص المذكور إلى أنه تم إطلاق الرصاصات الثلاث الأولى من سلاح تمت تسميته في الفحص البندقية A، وخمس طلقات أخرى من سلاح B، وآخر طلقة من سلاح C.
وكان المختص في الدراسات الجنائية روبرت ماهير، قال: إن اختبارات الصوت تؤكد أن مطلق النار كان على بُعد حوالي 120 متراً من المنصة.
نتائج الفحص الصوتي الذي أجرته جامعة كولورادو أظهرت أنه تم استخدام عدة بنادق ما يعني أننا أمام عملية اغتيال كبيرة مُحكمة متعددة التنفيذ لضمان تحقيق الهدف
وإذا ما صحت هذه النتائج فهذا يعني أننا أمام عملية اغتيال كبيرة مُحكمة، ستكون لها تداعيات كارثية على المشهد الانتخابي، في المدى القصير، وعلى مستوى البلاد في المدى الطويل.. فهذه النتائج تعني أنه كان هناك تخطيط كامل متعدد لناحية المنفذين، لضمان تحقيق الهدف، وهو النجاح في اغتيال ترامب، وأن أحد المنفذين الذي قتله الأمن الخاص بترامب، كان يخفي وراءه منفذين آخرين كان لديهم الوقت الكافي للهرب، وهؤلاء من بات من المتعذر كشفهم سريعاً باعتبار أن من كان يفترض أن يدل عليهم تم قتله.
ما كشفته قناة «زفيزدا» يُضاف إلى نظرية الخلل الأمني الكبير، سواء من رجال حرس ترامب، أو من رجال ما يسمى جهاز الحماية السري، وهو ما أكدته أقوال الشهود ممن كانوا حاضرين في تجمع ترامب الانتخابي، من مؤيديه الذين قالوا إنهم نبهوا رجال الأمن مراراً إلى وجود مطلق النار الذي يرتب ويجهز مسرح الاستهداف ويتخذ وضعية الإطلاق على مرأى من الجميع، ليتمكن بعدها من إطلاق 11 رصاصة، وفق الرواية الرسمية، ولينجو ترامب بمعجزة إلهية، كما يقول أنصاره.
بين الديمقراطيين والجمهوريين
بكل الأحوال، أياً يكن ما تم أو سيتم إخفاؤه فهو سيجد طريقه إلى العلن، بشكل أو آخر، علماً أن ترامب نفسه ليس مستبعداً من مسار نظريات المؤامرة، على اعتبار أنه المستفيد الأساسي، وأن خصومه الديمقراطيين لن يتخذوا قراراً غبياً بتصفيته، وهم يعلمون أنهم سيكونون أول المتهمين، وقد لعبها الجمهوريون بصورة خبيثة، فهم لم يتهموا الديمقراطيين حرفياً وإنما اعتبروا أنهم من مهّد لمحاولة اغتيال ترامب بسبب دعايتهم الانتخابية القائمة على تصوير ترامب بصورة العنصري المناهض للأميركيين والخطر على أمن البلاد.
وجاء رد الديمقراطيين كما كان متوقعاً، هادئاً جداً، مع التشديد على إدانة الاستهداف، والدعوة إلى التوحد، من دون التشكيك أو التلميح إلى شبهات تحيط بالجمهوريين، أو الانجرار وراء الرد على نظريات تتهمهم، فيضعون أنفسهم في موقع الإدانة، حيث خرج الرئيس جو بايدن مباشرة وتحدث عن كل هذه النقاط، محاولاً إبعاد التركيز عن محاولة الاغتيال والعودة بها إلى قضايا السجال الانتخابي التقليدية، خصوصاً المتعلقة بعمره، حيث قال في مقابلة شبكة «إن بي سي» نيوز الأميركية، إنه متفهم لمخاوف الناخبين فيما يخص عمره، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه أكبر من ترامب بثلاث سنوات فقط (فلماذا لا يكون العمر مأخذاً على ترامب أيضاً؟)، وأكد بايدن مجدداً أن يتمتع بقدرة عقلية جيدة جداً.
لكن بايدن بالمقابل لم يستطع تجاهل تعريج أغلب وسائل الإعلام الأميركية على تقرير لصحيفة «بوليتيكو» كشف أن بايدن قال للمانحين في مكالمة خاصة قبل عدة أيام من محاولة اغتيال ترامب، إنه «حان الوقت لوضع ترامب في مرمى النيران».. بايدن أقر بأنه كان من الخطأ استخدام هذا التعبير، لكن الإعلام الأميركي ركز عليه من دون اتهام مباشر لبايدن، علماً أنه قد يكون تعبيراً مجازياً لا علاقة له بنيات جُرمية.
أياً يكن من حال الديمقراطيين وسلوكهم في الأيام المقبلة، فإن الأسئلة تكبر وتتوسع:
– هل يكفي الرد الهادئ للديمقراطيين لتجنب الاتهامات؟ وهل حقاً خسروا الانتخابات مسبقا؟
– هل يملكون فرصة إذا ما جرى تغيير بايدن، أم إن التهمة ستنسحب على جميع الديمقراطيين؟
– هل حسمت محاولة الاغتيال السباق الرئاسي مبكراً؟ وهل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض؟
– هل سنشهد محاولة مماثلة.. ماذا لو تعرض بايدن للاستهداف أيضاً.. وماذا لو كانت المؤامرة أكبر من استهداف ترامب أو أي شخص آخر؟
ترامب ونائبه
بكل الأحوال، يمكن اعتبار أن ترامب حصد أولى ثمار الاستهداف مع إسقاط المحكمة دعاوى الوثائق السرية ضده، وقال ترامب: هذا الأمر سيكون له انعاكس على باقي القضايا، مطالباً بإسقاط كل الدعاوى المرفوعة ضده، وعدم استعمال القضاء الأميركي كسلاح، وجعل أميركا عظيمة مرة أخرى.
وكان ترامب قد ظهر بأذن مضمدة في المؤتمر العام للحزب الجمهوري أمس، في مدينة ميلووكي، ملوحاً لأنصاره، الذين صفقوا لها بحرارة، وشهد المؤتمر تأكيد ترشيح ترامب لخوض السباق الرئاسي بمواجهة بايدن (أو أي مرشح جمهوري آخر حال تنحيه أو تنحيته). وفي المؤتمر أعلن ترامب عن تسمية نائبه في حال فاز في الانتخابات الرئاسية وهو السيناتور الجمهوري جاي دي فانس، حيث أكد ترامب أنه يتمتع بمسيرة مهنية ناجحة للغاية في مجالي التكنولوجيا والمالية.
وكان دي فانس قد أعطى ما يشبه عرضاً موجزاً لتوجهاته المتعلقة بالتفاوض مع روسيا بشأن أوكرانيا لإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن وإغلاق هذا الملف من أجل التركيز على التهديد الأساسي المتمثل بالصين، قائلاً: إنها التهديد الأكبر لبلدنا.
أميركا اليوم مختلفة جداً.. الحوادث الأمنية الكبيرة لم تعد توحد الأميركيين بل تعمق انقساماتهم وتدفعهم باتجاه المزيد من التطرف والعنف المسلح
أميركا اليوم ليست أميركا الأمس
لكن التهديد الأكبر، كما يبدو، هو من الداخل بالدرجة الأولى، إذا ما اعتبرنا محاولة اغتيال ترامب مقياساً، أو بداية مسار لأحداث مماثلة أن تقترب منها، وبالعموم فإن أغلب التوقعات تميل باتجاه مفاجآت و«أحداث زلزالية» فيما تبقى من زمن السباق الرئاسي.. فالتركيز على الداخل يمكن ملاحظته بوضوح من خلال ما يعكسه الإعلام الأميركي نفسه من تركيز على المخاطر والتهديدات لمسار تطورات وأحداث لا يمكن السيطرة أو احتواء عواقبها.
ونستشهد بصحيفة «نيويورك تايمز» على سبيل المثال، التي اعتبرت أن محاولة اغتيال ترامب لم توحد الأميركيين كما يُفترض، وأن هناك محاولات يائسة لمنع توسع الشرخ، ولإغلاق الباب الذي فُتح واسعاً، تشكيكاً بما جرى وغضباً من القصور الأمني، الذي كاد يودي بحياة ترامب.. بل كاد يضع البلاد كلها في أخطر مأزق أمني سياسي/شعبي.
والأهم هو ما أشارت إليه «نيويورك تايمز» بخصوص تغير أميركا والأميركيين، فمحاولة اغتيال ترامب ليست الأولى في التاريخ الأميركي، وهناك محاولات نجحت وتم فيها اغتيال رؤساء، لكن أميركا اليوم مختلفة.. وتقول «نيويورك تايمز»: على عكس ما حصل عندما تعرض الرئيس الأسبق، رونالد ريغان، عام 1981، لعملية إطلاق نار جعلت البلاد «تتحد خلف زعيمها المصاب»، يبدو أن محاولة اغتيال ترامب «ستمزق أميركا» بدلاً من أن توحدها.
وتتابع الصحيفة الأميركية: في غضون دقائق من إطلاق النار، امتلأت الأجواء بالغضب والمرارة والشك والاتهامات، وتصدرت نظريات المؤامرة المشهد، وتعرض البلد الذي يعاني بالفعل من العداء لشرخ أكبر.