العنف الانتخابي المسلح.. رصاصات أخطأت ترامب وأصابت الديمقراطيين في مقتل.. هل خطت أميركا أوسع وأخطر خطواتها نحو حافة الانهيار؟
تشرين- هبا علي أحمد:
مازالت تداعيات محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ترخي بظلالها على المشهد الأميركي بشكل عام والانتخابي/الرئاسي بشكل خاص، وأضيفت إلى التجاذبات القائمة أساساً تجاذبات أخرى فرضها الحادث، كاشفة بشكل أكبر عن عمق الشرخ في الداخل الأميركي ولاسيما السياسي، إذ أشارت العديد من التقارير إلى أن محاولة الاغتيال أعادت فتح فصل مخيف في قصة العنف السياسي الملعونة في أميركا، تلك الأمة التي تعاني بالفعل من الاستقطاب العميق خلال واحدة من أكثر الفترات توتراً في تاريخها الحديث، محذرة من أن الأمة الأميركية على حافة الانهيار في ظل تضخيم الشعور لدى العديد من الأميركيين بأن الانتخابات الرئاسية هذا العام تتجه نحو نهاية سيئة.
محاولة اغتيال ترامب فتحت فصلاً مخيفاً في قصة العنف السياسي الأميركي وتحذيرات من أن الأمة الأميركية على حافة الانهيار
ترامب والدولة العميقة
الأكثر من ذلك، أعادت الحادثة إلى الأذهان العلاقة الشائكة بين ترامب والدولة العميقة، الأمر الذي يجعل من البديهي أن تتوجه أصابع الاتهام إليها، فهذه العلاقة كانت مضطربة على الدوام منذ بداية فترة رئاسة ترامب 2017- 2020 وعلى مدارها حتى اليوم، وهناك عدة أسباب تجعل العلاقة على هذا النحو، منها أن ترامب ليس ابن المؤسسة الرئاسية الأميركية المتمثلة في الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري، فهو بالرغم من انتمائه إلى الحزب الجمهوري، إلا أنه لا يُعد ممن ترعرع في مهد الحزب وتشرّب قواعده، وبالتالي فإنه لا يتصرف وفق ضوابط حزبه التي تربى عليها غيره، ثم إن سياسة ترامب وتوجهاته السياسية والاقتصادية في العديد من الملفات الداخلية والخارجية تنحو بعيداً عن سياسات وتوجهات الدولة العميقة، وأبرزها «أمريكا أولاً»، فترامب كشف النقاب سابقاً عن خططه لخفض الإنفاق الفيدرالي ووقف تمويل الدولة العميقة، متعهداً بالطعن في دستورية قانون ميزانية الكونغرس لعام 1974 في المحكمة، بحيث يصبح له الحق في خفض الميزانية الفيدرالية بجرة قلم، قائلاً: إن إعادة الحجز ستمنحنا أداة حاسمة لمحو الدولة العميقة وتجفيف المستنقع وتجويع دعاة الحرب، كما قال في إحدى محاكماته: سأعين مدعياً خاصاً حقيقياً لملاحقة الرئيس الأكثر فساداً في الولايات المتحدة، جو بايدن، وعائلته الإجرامية بأكملها، وسوف أمحو الدولة العميقة تماماً.. ومن الواضح أن هناك أموراً كثيرة على المحك في الانتخابات المقبلة.
ترامب يُخطط لخفض الإنفاق الفيدرالي ووقف تمويل الدولة العميقة متعهداً بالطعن في دستورية قانون ميزانية الكونغرس لعام 1974 في المحكمة
المزيد من الانقسامات
بمجمل الأحوال تتزايد حال الانقسام الرأسي في المجتمع الأميركي القائم على العنف أساساً ومن مختلف الأطراف، وعلى الرغم من أن العنف السياسي ينبع غالباً من اليمين، كما تتحدث التقارير، إلّا أن الخطاب السياسي يستمر في الانقسام الحاد بين الأطياف المختلفة، فمن الجمهوريين المعتدلين إلى أصحاب نظرية المؤامرة من أقصى اليمين، ظهرت رسالة موحدة بأن قادة الديمقراطيين وضعوا الأساس لمحاولة اغتيال ترامب، وذلك من خلال تصويره كمستبد يشكل تهديداً خطراً للديمقراطية.
وكان فريق من وكالة «رويترز» أجرى تحليلاً لأكثر من 200 حادثة عنف ذات دوافع سياسية بين عامي 2021 و2023، ووجد أن العنف السياسي المميت ينبعث غالباً من اليمين الأميركي أكثر من اليسار، ورغم أن الولايات المتحدة تشهد موجة عنف سياسي غير مسبوقة منذ الستينيات، إلا أن الهجمات العنيفة على الأشخاص تُرتكب في الغالب من مشتبه فيهم يعملون لخدمة الأيديولوجية اليمينية.
وبعد محاولة الاغتيال، عجّت المواقع الإلكترونية اليمينية بالاتهامات بأن الخطاب اليساري هو الذي حفز الهجوم على ترامب، وتزايدت نظريات المؤامرة، متهمةً عصابة غامضة من «الدولة العميقة» داخل الحكومة بتدبير الواقعة.
رغم أن الولايات المتحدة تشهد موجة عنف غير مسبوقة منذ الستينيات إلا أن العنف السياسي ينبعث غالباً من اليمين أكثر من اليسار
وأشار مؤيدو ترامب إلى تعليق أدلى به بايدن في الثامن من الشهر الجاري، حينما تحدث عن ضرورة التغلب على ترامب واستخدام عبارة «وضع ترامب في مرمى النيران»، كما استغل الجمهوريون هذا التعليق كدليل على استحضار بايدن صوراً عنيفة في وصف الانتخابات الرئاسية، وانتقدوا الديمقراطيين لتصويرهم ترامب كتهديد للديمقراطية والأمن.
ترامب وبايدن
بعد محاولة الاغتيال دعا الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه دونالد ترامب الأميركيين إلى الوحدة، وبينما أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه يعتبر ما حدث «عملاً إرهابياً داخلياً محتملاً، شدد بايدن في كلمة مقتضبة من البيت الأبيض على وجوب الوحدة، مشيراً إلى أنه أجرى محادثة قصيرة لكن جيّدة مع ترامب، مضيفاً: ليس لدينا أي معلومات حتى الآن عن دوافع منفذ الهجوم.. نعرف من هو.. أدعو الجميع إلى عدم إطلاق افتراضات بشأن دوافعه أو انتماءاته، مطالباً بإجراء تحقيق مستقل في الظروف المحيطة بمحاولة الاغتيال، كما طالب بايدن بخفض التوتر، معتبراً أن الانتخابات الأميركية المقبلة ستشكل فترة اختبار.
كذلك دعا ترامب إلى الوحدة و«تحدي الشر» بعد نجاته من محاولة اغتيال، وفي منشور على منصة «تروث» التابعة له، أعرب عن امتنانه للدعم الذي حصل عليه بعد محاولة الاغتيال، قائلًا: لن نخاف، ولكن بدلاً من ذلك سنظل صامدين بإيماننا ومتحدين في مواجهة الشر.
ودعا ترامب إلى الوحدة الوطنية والقوة، وحث الأميركيين على الوقوف معاً وإظهار شخصيتهم الحقيقية، مضيفاً: في هذه اللحظة، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نقف متحدين، وأن نظهر شخصيتنا الحقيقية كأميركيين، وأن نبقى أقوياء ومصممين، ولا نسمح للشر بالانتصار.
كما شدد ترامب على أن خطابه بعد ما حدث سيكون مختلفاً تماماً عما كان عليه في الماضي، من دون أن يكشف عن أي تفاصيل أخرى حول شكل هذا التغيير.
يأتي هذا بينما يُعقد مؤتمر الحزب الجمهوري في ولاية ويسكونسن من اليوم إلى 18 الجاري، ويتمثل هدفه الرئيسي في تسمية ترامب مرشحاً رسمياً للحزب لخوض الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل.