متفائلون.. لكن بحذر
بدأت تتضحُ ملامحُ تحولاتٍ عميقةِ ومفاجئةٍ – ولو على شكل نبوءات أو تسريباتّ – بشأن الكثير من الملفات العالقة في أكثر من منطقة في هذا العالم، وبالطبع لا يمكن أن تستثني إقليم الشرق الأوسط، بما في ذلك ما يتصل بالمسألة السورية التي باتت بالفعل مركزيةً إلى حدّ كبير، ومؤثرة على نطاق واسع نسبياً بطيف أبعد من إقليمي.
ولعل ما يرشُح اليوم عن خلافاتٍ ساخنةٍ داخل حلف شمال الأطلسي، تفضي إلى قناعةٍ بأن إعلانَ نعية الحلف العتيق لن يتأخر، وبعضهم وصفه بأنه “ميت سريرياً”.. وهذه نتيجة متوقعة لدى كل قارئ حاذق للسياسة ببعدها الثالث.
من هذا العنوان العريض – تفكك ناتو – علينا أن نلتقط الكثير من الإشارات المتعلقة بإعادة ترتيب شاملة لهياكل ومسارات العلاقات الدولية، بمتغيرات حادّة، بما أن ثمة تنازعاً أوروبياً – أمريكياً قد بدأ بالفعل، وسيكون فاتحة تحولات عميقة في السياسة العالمية.
وبالعموم.. لابد من الوقوف بتأنٍّ عند التأزّم شبه الصامت بين الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وما سيسفر عنه من نتائج، أغلب الظن أنها لن تكون في الصالح الأوروبي، بما أن الأميركان أثبتوا أنهم حاذقين بالانتصار على حلفائهم قبل أعدائهم، وتحميلهم وزر وتبعات حروبها والاستفراد بالأرباح.. هكذا هي الحال منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي – بالتجربة والقياس- علينا أن نتوقع بقاء أوروبا في السفينة المضطربة التي ستقفز منها أمريكا نحو مصالحها أينما كانت حتى لو اضطرت لإعادة النظر بعلاقتها مع الصين، وتحميل الأوروبيين مسؤولية النزاعات السابقة كما أي متظاهر بالندم.. تماماً كما تحاول هذه الأيام إعادة إنتاج مخارج لإسرائيل من أزمتها عبر حصر المسؤولية عن الغرق في أوحال غزة بنتنياهو وحكومته.
هكذا عودتنا أميركا على سلوكيات ما قبل الانعطافات الكبرى التي تعتزمها، وها هي تثير اليوم تساؤلات وترقباً حذراً حول وجهتها، وهي تبدي بعضاً من المرونة في سياق إعادة ترتيب أوضاع إسرائيل حليفتها المأزومة.
على إيقاع التحولات المنتظرة، سيكون علينا ألا نبالغ في تفاؤلنا بما يخصنا نحن السوريين من نتائج، أو لا نستعجل ونحن نترقب انفراجات سريعة على مستوى كل الملفات العالقة التي تعنينا وهي كثيرة في الواقع.. ونتريث قبل أن نستبشر خيراً بقرار أو توجه أميركي أو تركي أو حتى عربي بجانب ما، فثمة الكثير من الترتيبات يجب أن تُنجز قبلاً، بما أن الملفات الإقليمية اكتسبت صفة العالمية، ولم تعد الحلول الجزئية ناجعة، بل غير ممكنة، لذا نتحدث دوماً عن حلول متكاملة ستعلن، أو لن يكون هناك من حلول على المدى المنظور، ولو أننا نرجح الخيار الأول بشيء من التفاؤل الحذر.