مآلات للقصيدة!!
يتجاوز عمرُ قصيدة النثر اليوم؛ سنينها الماسية، والمتأمل للدروب التي سلكتها هذه القصيدة، التي ولدت بعد إرهاصاتٍ كثيرة، وبعد أن استنفدت القصيدة العربية الموزونة مختلف جمالياتها، واستهلكت كل جوازات بحورها وصولاً إلى الكلاسيكية الجديدة في النصف الأول من القرن العشرين، وقد بدت تلك القصيدة بعد تلك الحركة التجديدية فيها، كأنها لبست آخر فساتينها الجديدة.
وكان على قصيدة التفعيلة أن تُشكّل جسراً لمرور الكثير من الشعراء إلى سهوب قصيدة النثر، التي نوّعت باتجاهاتٍ كثيرة، سواء كان ذلك بإيقاع القصيدة من حيث الطول والقصر، أو من حيث الغموض والوضوح.. وبعد ذلك جاءت بأشكالٍ كثيرة كقصيدة الومضة والتوقيعة ، وغير ذلك الكثير من الألوان، مع ذلك كان هذا الشكل من الشعر، يقع لفتراتٍ قد تطول أحياناً تحت ضغط المحترف الواحد، أي «الماركة» الواحدة، أو العلامة التي كانت تُسجّل الكثير من القصائد بطابعها، والتي كانت تبدو أحياناً كالمعاملات الرسمية التي «تُروّس» بالترويسة ذاتها، وتُطبع بالطوابع ذاتها، سواء كان بالشواغل الشعرية، أو حتى بالتراكيب والمجازات والحساسية الشعرية، وغير ذلك..
رغم حالة «التقليدية» هذه التي كانت تُصيب قصيدة النثر، فإنها كانت في كلِّ كبوةٍ من هذا النوع، يكون لديها القدرة على المناورة والبراغماتية، لأن تخرج بمعطفٍ جديد وقمصان جديدة، لتتابع دروبها، ولعلّ الجدير ذكره في هذا المجال، هذه «الحكائية» التي تنتاب قصيدة النثر اليوم، حتى تمّت إزالة الحدود بينها وبين القصة، ومن الجدير ذكره أيضاً، الإشارة لبدايات قصيدة الومضة، والقصة القصيرة جداً، فقد انطلقت الأخيرة باسم «الومضة» في بداية تسعينيات القرن الماضي، أي قبل الحالة التعبوية التي انتابتها باسم القصة القصيرة جداً بجهود «فرسان» ادعوا لوقتٍ طويل أنهم اكتشفوا الغابات البكر، ومن ثمّ لتأخذ قصيدة النثر، اسم القصة القصيرة جداً السابق – الومضة – ورغم إن الكثيرين يرون أن القصة القصيرة جداً؛ شكل في نوع القصة العادية المُتعارف عليها، غير إنّ كلّ الإشارات تؤكد أنها شكل براغماتي وتحوّل جديد في قصيدة النثر، ومن هنا ليس من الغريب أنّ جلّ من يكتبون القصة القصيرة جداً؛ هم الشعراء، وتلك الحكائية التي تلفُّ اليوم تفاصيل قصيدة النثر، الأمر الذي أوصلنا اليوم إلى شكل «الأقصودة»..
هامش:
…………
كلما
فتحت لي الدنيا ذراعيها؛
أهرعُ إلى حضنها..
أعرفُ تماماً
أنّ وقتها
ضيقٌ جداً.