محنة النص!!
على ما يروي المؤرخون لمسيرة التلفزيون السوري؛ فإن أولى العقبات التي واجهت مسيرته؛ كانت في توافر مادة للعرض.. بمعنى أن أولى محن مسيرة التلفزيون السوري؛ كانت في توافر النص الذي يقوم عليه البرنامج التلفزيوني أياً كان نوع ذلك البرنامج.
وبقي النص الذي يشتغل عليه “صُنّاع” البرامج التلفزيونية، من إنتاج أشخاص غير معروف عنهم شغف الكتابة، وجاؤوا للكتابة التلفزيونية من أماكن ومهن أبعد ما تكون عن الكتابة بشكلٍ عام.. ومن ثم، وإلى زمن طويل سيعتمد التلفزيون على النص – إلا ما ندر- الذي يُقدمه شخص ليس أديباً، والمسألة في البداية لم تكن تطفلاً من هؤلاء غير المعروفين في الكتابة، بل لأنّ الأدباء أنفسهم نظروا بعين الدونية إلى الكتابة التلفزيونية، وهو الأمر الذي ستكون له نتائج سلبية على مدى مسيرة التلفزيون.
وسيبقى أمر التعاون بين الأدباء والقائمين على التلفزيون يشوبه التردد من قبل الطرفين، حتى ينبري كاتب مثل عبد العزيز هلال سنة 1975 لقصة للأديب السوري صدقي إسماعيل ، والتي جُسدت درامياً بمسلسل من سبع حلقات تحت اسم (أسعد الوراق). وهو الأمر الذي سيُشكل انعطافة في الدراما التلفزيونية، إن لم تكن أهم انعطافاته على صعيد الدراما وعلى الصعد كافة: النص أولاً، وجرأة الطرح، والإخراج، وقوة التمثيل وغير ذلك الكثير، وهو الأمر الذي سيغري العاملين في الحقل الدرامي سنة 2010 لإعادة إنتاج هذه السباعية بمسلسل من ثلاثين حلقة بذات الاسم السابق كرد على الانحدار المُخزي لما أطلق عليه “دراما البيئة الشامية”.
صحيح أنّ بعض الكتاب تصدى قبل “أسعد الوراق” لكتابة الدراما، غير أن الوقت سيمضي طويلاً حتى يأتي كاتب يفهم “السيناريو والحوار” كحرفة تختلف عن الكتابة الأدبية إلى أن يأتي أديبان بحجم كل من ممدوح عدوان وحسن. م يوسف، ويُشكلان انعطافات جديدة في مسيرة الدراما السورية، بحيث تصبح هذه الدراما سيدة الدرامات العربية ربما “بمنازعٍ” وحيد هو الدراما المصرية.. وسيبقى الأمر كذلك حتى يُختطف هذا الجنس الإبداعي – الدراما من قبل الخليج العربي ونفطه ضمن سلسلة حروب استهدفت سورية العتيقة بكل تاريخها واسمها منذ أكثر من عشر سنوات.
وأختم ليس بالضرورة أن يكون الأديب كاتب سيناريو وحوار جيداً، تماماً، كما ليس بالضرورة أن يكون كاتب السيناريو والحوار أديباً جيداً، وأن اجتمعت “الجودة” بالشخص ذاته، فهذا أمرٌ حسن بالتأكيد، لكن إن لم يتوافر ذلك، فما على كتّاب السيناريو والحوار إلا التعاون مع أصحاب الروايات السورية ومعظمها قابل لأن يكون نصاً تلفزيونياً.. وغير ذلك فالمحنةُ مستمرة التي هي قبل كل شيء تكمن في النص.
هامش:
……….
و.. أنتِ
تتوهجين كقمرٍ طالعٍ
من جديد؛
سأترنّم بكِ
كما
أترنم بأغاني الحقول.