ملف «تشرين».. جبهة اشتباك جديدة تضع المنطقة في قلب حرب الممرات العالمية.. المقاومة تثبت قواعدها وتتمسّك بمعادلة «الاقتصاد لا يتحدث إلا بلغة المنتصر»
تشرين – بارعة جمعة:
بين الفعل ورد الفعل، كما بين النتائج والإنجازات في الكُلّ والجزء.. لا توجد أحداثٌ عفوية على خارطة الصراع الواحدة، الأحداث تقود إلى رسم النهايات وخرائط الأقطاب المتعددة، المكاسب ستكون كبيرة وعظيمة للمُنتصر، بالمقابل، التبعات مؤلمة للخاسر.. لغة المصالح ومعادلات الاقتصاد وضوابط الاشتباك العالمي تغيرت.. قد تقود للتهدئة والتفاوض، أو للانفجار مجدداً.. احتمالاتٌ عكستها التطورات الأخيرة لسيطرة المقاومة اليمنية «أنصار الله» على البحر الأحمر- أحد مفاتيح العالم الخمسة، ما يعني التحكم بنصف اقتصاد العالم، فما تأثير هذا التحول الجيو- اقتصادي في المنطقة، وكيف له أن يغير في المعادلات الاقتصادية عالمياً وفي صراع القوى؟
– صدمة استراتيجية
وهنٌ اقتصاديٌ غربي تقوده أمريكا كان نتيجة طبيعية لما قامت به المقاومة اليمنية «أنصار الله» في مضيق باب المندب، الذي أحدث صدمة بوجه الملاحة الإسرائيلية، قراءة عميقة لواقع الحال قدمها الباحث الاستراتيجي الدكتور أمين حطيط من لبنان، بينت أن كل ما تملكه الولايات المتحدة من قدرات عسكرية لم تمنحها القدرة لحماية الممرات المائية.
نعم.. عملية الإقفال استهدفت البضائع الإسرائيلية، أي أنه فعلٌ محصورٌ بمصالحها الاقتصادية فقط، في الوقت ذاته يُنذر بإقفال المضيق بأي وقت، هنا تم تحقيق ثلاث مسائل أهمها إظهار تأثير قوة اليمن العسكرية بالعلاقات الدولية، وكشف عجز الغرب بما يحمله من قدرات وأساطيل وقطع بحرية عن الوصول للطمأنينة التي تضمن هيمنته العسكرية ونسف مقولة أن أمريكا قوة عُظمى- التي باتت واهية، يُضاف لذلك ضمان مرور المشروع الصيني- الحزام والطريق- ضمن ممراتٍ بريةٍ آمنة، على خلاف المشروع الثاني «الممر الهندي» الذي يمر عبر الإمارات والسعودية والأردن، الذي بات ضعيفاً أمام تقدم مشروع الصين المرشح الأكبر وصاحب الحظوة للنجاح، ما يعكس متغيرات دولية تؤثر بحركة الاقتصاد العالمي وعلى الحركة التجارية الدولية.
– تدوير الزوايا
ساحة اشتباك اقتصادية جديدة عند بوابة الخليج العربي تبرز إلى الواجهة.. الجميع يسعى لتثبيت دوره ونفوذه في القرار السياسي العالمي، بمن فيهم أمريكا، صاحبة الطلقة الأولى في هذا الصراع، لتثبيت مشروعها في الشرق الأوسط بعد فشلها في تجنيس البحيرة المتوسطية في «دائرة النفوس» الأطلسية لمصلحة روسيا والصين، صورٌ من التطورات اللافتة قدمها الخبير العسكري وفيق نصور، ضمن أُفق التقدم بملف غزة المتمثل بما يجري عند بوابة البحر الأحمر مع المقاومة اليمنية باتخاذها موقفاً ضد العدوان الصهيوني، كل ذلك يدور ضمن جغرافيا ميدانية محدودة الأبعاد والمساحات، لكنها واقعة ومرسومة بدقة، وإن لم يؤدّها البعض فهو مستثمر بنتائجها وبقوة.
د. حطيط: ما قام به «أنصار الله» أحدث صدمة استراتيجية بوجه الملاحة الإسرائيلية لتصبح المعادلة ضمن مبدأ حصار مُقابل حصار
ما يجري في البحر الأحمر وشواطئ اليمن هو وجه من وجوه الرد على الجرائم الصهيونية، وفعل مؤثر في المنطقة بممراتها ومياهها التي تشكل الساحة البحرية الأهم في الملاحة النفطية، وفق توصيف نصور لأهميتها، استمرار هذا الواقع سيُحمّل العدو خسائر اقتصادية كارثية كبيرة، لن تقف عند حدود العدو الصهيوني، بل ستطول كل الدول الداعمة له، بما فيها شركات اقتصادية وملاحية، ولاسيما أن شركات التأمين قد زادت من قيمته على سفنها ومراكبها المُبحرة هناك.
خسائر وأعباء إضافية يتحملها الأمريكي، الذي بات مجبراً على الإنفاق الاقتصادي بأكثر من جبهة واتجاه، عدا عن التحدي الكبير لهذا الشرطي الذي يتحكم بالمرور في المياه الحمراء، الذي بات تحدياً حقيقياً أمام القوة التي تنصب نفسها أنها الأكبر بالعالم.
– لاعب أساسي
حصارٌ بحري فرضته المقاومة اليمنية على الاقتصاد البحري للعدو، لتصبح المعادلة ضمن حصار يُقابل حصاراً، أمام ضعف المرونة من قبل العدو بالتعاطي مع الحدث بكل تبعاته، مع صعوبة بقائه ضمن هذا الوضع وفق تقديرات الدكتور حطيط للتطورات لكون باب المندب يشكل ممراً لما يقارب 40 لـ 48% من احتياجات العدو الاقتصادية، كما يحيي النشاط في ميناء إيلات بين 75 لـ 85% ضمنه.
الخبير نصور: ساحة اشتباك اقتصادية جديدة عند بوابة الخليج العربي تبرز إلى الواجهة.. الجميع يسعى لتثبيت دوره ونفوذه بمن فيهم أمريكا
مأزق اقتصادي يلاحق قوات العدو الصهيوني لصعوبة علاج الموضوع، ما جعل أمريكا الخيار الوحيد عبر التحالف الدولي العاجز عن منع اليمن من ممارسة الضغط والعمل العسكري ضد الملاحة، هنا لا بد من الانتباه لاحتمالات تصعيد الموقف الذي سيحول المنطقة برأي حطيط لمنطقة قتال مقفلة بوجه الجميع، ما يلحق الضرر بالاقتصاد الغربي والأوروبي، هو الذكاء الاستراتيجي من قبل اليمن، قادها لهذا القرار الذي من الصعب التعامل معه بالقوة أو العنف، ليغدو الحل هو فك الحصار عن غزة مقابل فتح الطريق بباب المندب.
حنكةٌ ودراية وقراءة دقيقة يمتلكها المحور المُقاوم، يقود بها الأحداث في الإقليم كما يتعامل مع النتائج والمتغيرات بها أيضاً وفق قراءة الخبير نصور لسياسة المحور الذي باتت المقاومة اليمنية فصيلاً منه، مسجلة إنجازاً جديداً وانتصاراً إضافياً في الصراع مع المشروع الأمريكي الأطلسي الصهيوني – مشروع الممر الهندي، لتوسيع خارطة الاشتباك وتوتير جبهة قد تكون الأهم على مستوى الجغرافيا العسكرية التي يمتلكها، قد حقق نجاحات وإنجازات مهمة في اتجاهاتها المختلفة.
يدُ المحور المُقاوم التي باتت تمسك بأكثر الممرات والمضائق الاقتصادية أهمية، التي تورد نحو نصف اقتصاد العالم، هو تطور خطير قرأته الولايات المتحدة ووضعها أمام تحد ومعضلة كبيرة برأي نصور، يقابله ترهل أوروبي وخوف من نجاحات جماعة «أنصار الله» في فرض الملاحة عبر مضيق باب المندب وفق رؤيتهم السياسية، كل ذلك يسجل انتصاراً جديداً لقوى المحور، الذي سيعير حتماً شيئاً من الانتصار لحلفائه في هذا الصراع الدائر مع الغرب.
الخبير نصور: الأمريكي بات مجبراً على الإنفاق بأكثر من جبهة واتجاه عدا عن التحدي الكبير لهذا «الشرطي» الذي يتحكم بالمرور في المياه الحمراء ويتحدى القوة التي تنصب نفسها الأكبر بالعالم
احتمالاتُ الحرب صعبة على الغرب الأوروبي، كما أنه غير قادر على تحمل نتائجها بإيقاف الملاحة النفطية في الخليج العربي برمته، وإذا ما تدحرجت كرة النار إلى الشواطئ الخليجية الشمالية، أمام قدرة اليمنيين بامتلاكهم أدوات وأسباباً للتأثير على الأمر، الذي قد يقود مع الزمن إلى رفع الرايات البيضاء في القارّة العجوز برأي نصور.
– تعويم المشهد
مواجهةٌ من نوعٍ آخر، باستخدام أساليب قذرة ليست بجديدة من قبل الولايات المتحدة، فما قامت به من إرهابٍ في العراق وسورية وقتل للمدنيين في غزة خيرُ دليلٍ على أساليبها غير الشريفة بالمواجهة وفق توصيف الباحث والمحلل السياسي إبراهيم شير من إيران، وفي الحالتين فشلت عسكرياً.
ما تعيشه اليمن منذ سنوات من حرب مستمرة وحصار يجعل أي عملية عسكرية ضدها لن تكون بجديدة، بل تتمة لسلسلة العدوان عام 2015، لكن السؤال: ما الذي قدمته تلك الحرب من نتائج؟ فالأمريكي نفسه شارك وفشل وبالتالي فشله اليوم محتوم أيضاً برأي شير، فاليمنيون يمتلكون أسلحة متطورة وصواريخ وزوارق حربية انتحارية ستكلف الأمريكي كثيراً في البحر، عدا عن كون اليمن يمنع مرور السفن المتوجهة لكيان الاحتلال فقط، وبمقدور أي سفن صينية أو هندية المرور بحرية تامة لأوروبا، فالهدف هو الكيان فقط وليس ضرب الاقتصاد العالمي كما تسعى الولايات المتحدة لإظهاره بهدف تجييش الوضع ضد اليمن.
المكاسب كبيرة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو لوجستية، كما بات اليمن اليوم عنصراً أساسياً في أي فكرة اقتصادية مستقبلية برأي شير، لتحكمه بأكبر اقتصادات العالم عدا عن المخاوف التي ستدفع الكثير من الدول لبناء تحالفات اقتصادية معه لتعزيز نفوذها في باب المندب.
– مغامرة خاسرة
إيران حذرت من توسع الحرب وتحولها لمواجهة إقليمية، تأكيدات قدمها شير، إلا أنه وفي حال استشعار أي احتمالات لخسارة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة فاحتمالات التدخل ممكنة لدى إيران والحلفاء، ليعدّوا الغلبة لأهالي القطاع، لكن دون ذلك لن تتوسع المواجهة في الوقت الحالي تحديداً.
شير: اليمن بات عنصراً أساسياً في أي مشروع اقتصادي عالمي مستقبلي عدا عن المخاوف التي ستدفع الدول لبناء تحالفات اقتصادية معه لتعزيز نفوذها في باب المندب
الحلول العسكرية لم تعد مُجدية، ولن تجلب سوى المزيد من الدمار في البنى التحتية والكثير من الضحايا، ولن تردع قدرة «أنصار الله» على التأثير الناري البحري على المراكب التي تبحر في البحر الأحمر، هنا ستواجه الولايات المتحدة تحدياً يقودها للنزول إلى الشواطئ، في حين أن الاجتياح البري لم يعد موجوداً في العقيدة والمذهب العسكري السياسي الأمريكي وفق قراءة الخبير نصور لاحتمالات الحرب البرية، على خلفية تحذير الطرف التركي من مغبة هذا الفعل الذي هو بمنزلة الورقة الخاسرة في قاموس الأتراك الأكثر استيعاباً لقدرة اليمنيين الحربية والعسكرية تاريخياً، كما أنهم أخبروا الأمريكي بها، لذا فالتعويل على حلول عسكرية لردع «أنصار الله» هو أمر غير مضمون النتائج ويقود للفشل حتماً.
نجح أنصار الله في فرض واقع جديد في معادلات الصراع، كما هي الإنجازات والمعطيات واضحة لقوى المحور في فرض المعادلات التي طالما أشار إليها في رسائل سابقة، لكن الغرب لم يقرأها جيداً برأي نصور، هنا لا بد من التنويه بالتنين الصيني اللاعب الاقتصادي الأبرز، وإذا ما انخرطنا أكثر في الأسباب والنتائج والاستراتيجيات والأدوات والتحليل والتشخيص سنصل لتساؤل مفاده: هل أصبحنا أمام صراع المشاريع الاقتصادية العملاقة؟.. يتساءل نصور.
شير: ما يعيشه اليمن اليوم هو ضمن سلسلة الحرب والحصار المفروض عليه منذ عام 2015 وكما فشل الأمريكي سابقاً فإن فشله اليوم محتوم
نعم، المشروع الصيني – الحزام والطريق – وبرسم ممراته وتحديد حلفائه يقودنا إلى هذه النتيجة، هذا المشروع جاهز لشراء الإنجازات السياسية لحلفائه اليمنيين على قاعدة «عدو عدوي صديقي» وما يفرضه اليمنيون في المنطقة يشكل تحدياً يضاف إلى التحديات الماثلة، أو ما يسمى المشروع الأمريكي المنافس «الممر الهندي».
الفشل سيقود لولادة واقع أكثر تعقيداً بالنسبة للولايات المتحدة، كما سيضعها والغرب الأوروبي أمام خيارات سياسية ضيقة، ومن سيحدد عمقها وسقفها واتساعها هو المنتصر برأي نصور، وإن كان إغلاق البحر الأحمر في وجه السفن المبحرة إلى الكيان الإسرائيلي قبل الفشل العسكري الأطلسي أو المتحالف مع الأمريكي، فسيصبح بعده المرور مرهوناً بالتفاوض مع أنصار الله أو المحور المقاوم، وهنا يكمن التحدي الأكبر، الذي سينتج واقعاً جديداً من الانتصارات والإنجازات يُستثمر بها من قبل المقاومة.
أمريكا أمام خيارين، إما الاكتفاء بمعالجة الأخطار بالبحر الأحمر دون النزول للبر، وهو أمر لن يُفلح في تمكين السفن التي تحمل بضائع إسرائيلية من العبور، أمام احتمالات استخدام القوات اليمنية الصواريخ أو الضفادع البشرية لقطع الطريق عليها وفق توصيف الدكتور حطيط ، أو أن تقوم أمريكا بعملية برية في وقت تلتزم به بإقفال الجبهات، عدا عن كون تمكين الكيان الإسرائيلي من الحصول على المنافع يستلزم احتلال أمريكا لليمن ومنعها من استعمال القوة، وهو أمر متعذر، هنا نخلص لنتيجة مفادها بأن التحالف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة لحماية عمليات الملاحة الدولية بالبحر الأحمر لن يفي بالغرض ولن يؤمّن المطلوب، فما قام به اليمن فاجأ العرب ولا يمكن حله بالقوة.
– الاختبار الصعب
لم يعد هناك مذهب سياسي اسمه النأي بالنفس أو الانحياز في هذا الصراع، فللمحور المقاوم دورٌ ريادي في المستقبل الذي بدأ يتشكل في مسار الأحداث، كما أن طرق العودة قد أغلقت خلف الجميع برأي الخبير نصور، والاشتباك العسكري في المنطقة مرشح للانتقال والاتساع، لأننا وصلنا للامتحان الأخير، وعند النتيجة سيطلق الحكم صافرته معلناً الانتصار لمن والهزيمة لمن، لتبدأ عمليات التتويج، هنا نستقرئ بأن الخيارات ترجح الضربات العسكرية الجوية، منعاً للحرج الذي يواجه أمريكا في عدم التصرف كقوة عظمى، كما أن الحرب الطويلة ليست من مصلحتها، خصوصاً أن محور المقاومة عمل طويلاً على تثبيت قواعدها لمصلحته، إلا أن الأبواب قد تكون مفتوحة لارتكاب حماقات غير محسوبة، فيما لغة المصالح ومعادلات الاقتصاد قد تقود للتهدئة والتفاوض، ضمن القانون الذي لا يقبل الاستثناء والجلوس إلا بشروط المنتصر، ولو بنسب محددة.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. اليمن في صراع الاقتصاد والجغرافيا.. نملك ونحكم.. كلمتنا ويدنا هي الأعلى