أولوياتنا والتصدير
كلما قررت الابتعاد عن الكتابة حول الواقع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، تستحضرني معاناة الفلاح و همومه وأزماته المتلاحقة التي لا تنتهي، فكلّ يوم همّ جديد، ابتداءً من ارتفاع مستلزمات الإنتاج الزراعي، وصولاً إلى ما يتكبّده من خسائر نتيجة الكوارث الطبيعية.
ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، وما رافقه من قرارات تصديرية ومنها فتح باب التصدير لزيت الزيتون والأغنام، انعكس سلباً، ليس على الفلاح فقط الذي باع مؤونته لتجار الزيت “بتراب المصاري”، بل على حياة المواطن اليومية، مع ما يعانيه من ضنك العيش.
فعلى الرغم من انخفاض إنتاج الزيتون إلى أقل من النصف، تم فتح باب التصدير لزيته ليشهد ارتفاعاً بين ليلة وضحاها بمقدار 400 ألف ليرة، وبات سعر الـ 20 ليتراً مليوناً ونصف مليون ليرة، وهذا ينسحب على اللحوم الحمراء، التي تجاوز سعر الكيلو بعد السماح بالتصدير 150 ألف ليرة للحم العجل ووصل عتبة 170 ألف ليرة للغنم.
في الواقع، إن ما نعيشه اليوم من أزمة اقتصادية، وحاجتنا للقطع الأجنبي، تبرّر فتح باب التصدير لبعض المنتجات الزراعية، سواء أكانت نباتية أم حيوانية، ولكن في حال وجود فائض للمواد الموضوعة على قائمة التصدير، والإنتاج يغطي السوق المحلية مع استقرار الأسعار.
والسؤال الأهم هنا: هل درست الجهات المعنية واقع توافر هذه المواد في السوق المحلية وأسعارها الكاوية قبل اتخاذ قرار التصدير؟ وهل تمت دراسة انعكاس هذا القرار على المستهلك الذي يعاني الأمرّين في تدبّر أموره، والذي بات عاجزاً عن تلبية متطلبات أسرته اليومية؟
من جهة أخرى، إن الارتفاع الكبير لمستلزمات الإنتاج الزراعي وانعكاسه على أسعار الخضار، وخاصة المحمية منها، يجعلنا نبرّر تخوّف المستهلك من تواصل ارتفاعها، وخاصة بعد خروج أكثر من 40 ألف بيت محمي عن الزراعة، وتوجه المزارعين لزراعتها بالموز المحمي.
واقعنا الزراعي واقتصاد السوق المرتبط بوفرة المواد ما زالا حتى اليوم يعانيان من تقصير، وبلدنا مملوء بالخبرات الاقتصادية الوطنية التي تشير إلى مواقع الخلل بهدف البناء، وتدلي بمقترحاتها للنهضة بهذا القطاع الحيوي الذي بات بحاجة إلى جهود مضاعفة لإنقاذه، فلماذا لا تتم دعوتهم والاستفادة من خبراتهم، ومدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع؟.
وهل سنحثّ الخطا لإنقاذه قبل الوصول إلى مكان حيث لا ينفع الندم؟.