تحدّي الشتاء يعصف برقعة واسعة الطيف من العالم.. ورهانات على الجهود الجماعية لمواجهته

تشرين – يسرى المصري:

تواجه سورية شتاءا قاسياً كل عام بسبب العقوبات والاحتلال الأمريكي لأبار النفط والغاز وقلة الإمكانات المتاحة من الغاز والمازوت وصعوبة الحصول على الحطب و حسب التقارير الواردة من دمشق والمحافظات السورية تم توزيع حوالي 50 ليتر مازوت على البطاقة الذكية (وين) لأغلب الأسر السورية ..وتعول الجهود على تعزيز أمن الطاقة في كثير من الدول على تخزين الغاز، وتنويع طرق استيراد الطاقة والبنية التحتية، والاستثمارات في الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة والجهود الجماعية لتقليل “الطلب على الطاقة”، كما تقول اللجنة في تقرير حالة اتحاد الطاقة لعام 2023.
وتتجاوز الأزمة الشأن المحلي إلى الشأن العالمي حيث أنه لسنوات عديدة، كان اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات النفط والغاز الروسية يشكل قضية مثيرة للقلق، ولكن في الآونة الأخيرة أصبح الأمر أكثر إلحاحا. ومع ذلك، تم اتخاذ خطوات حاسمة لمواجهة هذه التحديات.
وكانت إحدى الاستراتيجيات الرئيسية تعزيز تنويع إمدادات الطاقة لتطوير طرق وبنية أساسية بديلة لواردات الطاقة، وساهم بناء خطوط أنابيب الغاز وتوسيع محطات الغاز الطبيعي المسال في في هذا التنويع.
وكانت الاستثمارات في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة أيضًا جزءًا أساسيًا حيث التحول إلى مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة لا يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري فحسب، بل يساهم أيضا في مكافحة تغير المناخ.
وقد زاد الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة بشكل ملحوظ في جميع أنحاء المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تم بذل جهود جماعية لتقليل الطلب على الطاقة من خلال تدابير كفاءة الطاقة وبرامج التوعية.
وهناك أمرا أخر وهو ملء منشآت تخزين الغاز قبل حلول فصل الشتاء، وهو ما يجري حالياً. وقد أتاح التنسيق بين البلدان الأعضاء إدارة أكثر كفاءة للموارد وقدرة أكبر على الاستجابة في حالة حدوث أزمة.
كما شهدت بلدان منطقة أسيا الوسطى تلك التي لديها احتياطات وانتاج كبير من الغاز .. أزمة طاقة غير مسبوقة، تمثلت في نقص حاد في الغاز وانعدام الأمن الكهربائي.
ورغم أن دول المنطقة سعت للتغلب على تلك المشكلة، وتحسين كفاءة شبكات الطاقة لديها عبر سلسلة من الإجراءات لتقليل نقاط الضعف وتجنب تكرار ما حدث، إلا أن المواطنين لا يزال ينتابهم الخوف والقلق من تكرار تجربة شتاء 2022 بما تحمله معها من معاناة نتيجة انقطاع التدفئة والكهرباء وتأثيرها السلبي على الحياة الاقتصادية عامة وحياتهم اليومية خاصة.

رغم الإمكانات الضخمة.. نقص الغاز الحاد وانعدام الأمن الكهربائي يهددان دول آسيا الوسطى بأزمة طاقة غير مسبوقة

الغريب في هذا النوع من المشكلات التي تواجه سكان آسيا الوسطى أنه يحدث رغم أن المنطقة غنية بمواردها الطبيعية ومصدر رئيس للغاز، وقد دفعت أزمة الكهرباء معظم دولها إلى إعادة النظر في مستقبل صادراتها من الغاز الطبيعي خاصة مع تصاعد الطلب المحلي.
ومن بين أكثر دول المنطقة عرضة لمواجهة ضغوط الشتاء هذا العام أوزبكستان وقيرغيزستان، وإلى حد ما كازاخستان، وإذ تعمل أوزبكستان وقيرغيزستان على إيجاد حلول عبر طلب المساعدة الخارجية من روسيا والصين، إلا أنه حتى في حال الحصول على دعم موسكو فإن ذلك لن يحل الأزمة جذرياً.
تواجه أوزبكستان نقصاً في الغاز مع زيادة الطلب المحلي، وقد وجدت ضالتها في اتفاق وقعته مع روسيا لتوريد الغاز الروسي إليها عبر كازاخستان بدءاً من (أكتوبر) الماضي، وبموجب الاتفاق ستحصل أوزبكستان على 2.8 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من شركة غازبروم الروسية بما يقدر بتسعة ملايين متر مكعب يومياً. مع ذلك لا يمثل الاتفاق حلاً للمشكلة، إذ إن أوزبكستان في حاجة إلى شراء ستة مليارات متر مكعب من الغاز الروسي لحل أزمة الطاقة المحلية لديها.
يقول لـ”وكالات”، دانيال سيرجي الخبير في مجال الطاقة: “أزمة الطاقة في دولة مثل أوزبكستان لا تعود إلى نقص الموارد بقدر ما تعود إلى التزامات دولية ألزمت بها الحكومة نفسها من دون أن يكون لديها القدرة الكاملة على القيام بها”.
ويضيف: “بصرف النظر عن الطلب المحلي المتزايد، فإن أوزبكستان لديها صفقة غاز مع الصين، تلزمها بتسليم ما قدره عشرة مليارات متر مكعب من الغاز إلى الصين سنوياً، ومنذ توقيع الاتفاقية فإنها تكافح من أجل الالتزام بتعهداتها بسبب موارد الطاقة غير المستقرة لديها، وزاد الاتفاق من تحديات الأزمة الراهنة، ولذلك فإن الغاز الإضافي الذي سيتم الحصول عليه من روسيا لا يمكن أن يحل الأزمة الداخلية في أوزبكستان إلا مؤقتاً، مادام كان على أوزبكستان الوفاء بالتزاماتها بشأن تصدير الغاز إلى الصين”.

تنبع منطقية هذا التحليل من حالة الارتباك التي تعانيها أوزبكستان بشأن صادراتها من الغاز إلى الصين منذ بداية العام الحالي، ففي الربع الأول من عام 2023، علقت صادراتها لسبب نقص الغاز المحلي، واستمر ذلك نحو أربعة أشهر، لكنها عاودت التصدير في (أبريل) وبكميات أكبر لتعويض الكميات التي لم تسلم سابقاً، لكن ذلك لم يمنع كبار المسؤولين عن قطاع الغاز في البلاد من الإعلان عن أنهم يفكرون في التخلي بالكامل عن تصدير الغاز للصين بحلول عام 2026 نتيجة الطلب المحلي المتزايد، وعدم كفاية الإنتاج المحلي لتلبية كل من الصادرات والاستهلاك المحلي.
لكن تلك التصريحات قد تكون وليدة اللحظة الراهنة ولإرضاء حالة التذمر والتململ الشعبي مع حلول الشتاء، فإلغاء الاتفاقية مع الصين يضعف علاقاتها الاقتصادية مع بكين، وسينجم عن ذلك خسائر اقتصادية ضخمة على أوزبكستان، والأكثر خطورة أنه يقوض مصداقيتها كدولة مصدرة للغاز، فقد زودت أوزبكستان وكازاخستان الصين بنحو 11 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عام 2021 وهو ما يمثل خمس واردات الصين من الغاز.
لكن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، فإنتاج الغاز في أوزبكستان دخل مرحلة التراجع النهائي، وعمر الاحتياطي المتاح لا يتجاوز 18 عاماً، ولا يوجد احتمال لاكتشافات جديدة ذات أهمية، في الوقت ذاته يتوقع أن يزداد الاستهلاك المحلي بنسبة 40 في المئة في نهاية هذا العقد، خاصة مع تطوير البلاد لعدد من الصناعات كثيفة الاستخدام للغاز، إضافة بالطبع إلى النمو السكاني السريع، كما أن البنية التحتية متداعية وتحديداً في مجال الإسكان، حيث إن المنازل قديمة ورديئة في مجال العزل الحراري، إضافة إلى أن سياسة الدعم الحكومي ونقص الاستثمارات في القطاع يفاقم المشكلة.
المشهد في كازاخستان لا يبدو بعيداً عن نظيره في أوزبكستان، رغم احتياطاتها الهائلة من الغاز، إذ تحتل المرتبة الـ19 في العالم من حيث احتياطات الغاز، لكنها تكافح للحفاظ على فائض من الغاز الطبيعي خاصة مع تراجع قدرة البلاد في معالجة الغاز في وقت يتنامى فيه الطلب المحلي بسرعة، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 41 في المئة من السكان لا يستطيعون الوصول إلى الغاز ويستخدمون الفحم في التدفئة.
الدكتورة ماريا بوتينج أستاذة الدراسات الآسيوية في جامعة أدنبره تشير إلى أن كازاخستان في وضع أفضل نسبياً من أوزبكستان، إذ إن كلتا الدولتين متعاقدة على أن تسلم كل واحدة منهما الصين عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، ورغم أن أياً منهما لم يقترب من تسليم الكمية المتعاقد عليها بالكامل في أي وقت، فإن عقد كازاخستان مع الصين ينتهي هذا الشهر، ما يجعل البلاد في وضع أفضل نسبياً.
لكنها تقول لـ”وكالات”: “لدى كازاخستان احتياطات كبيرة من الهيدروكربونات، ولكن البنية التحتية سيئة، والمشكلة لا تكمن في نقص الغاز، إنما يكمن التحدي في هيكل سوق الغاز والقيود الصارمة على الأسعار بالنسبة للمستهلكين، ومعالجة الغاز المحلي غير مربحة بسبب التعريفات الصارمة، ومحطة معالجة الغاز الوحيدة في البلاد غير كافية، كما أن هناك اتهامات واسعة بتفشي الفساد بشكل كبير في قطاع الغاز”.
من هنا يرى البعض أن كازاخستان التي تصدر 1.4 مليون برميل من النفط يومياً، وأنتجت ما يقارب من 28 مليار متر مكعب من الغاز، بينما لا يتجاوز استهلاكها من الغاز التجاري 19.3 مليار متر مكعب، لا تعاني مشكلة حقيقية تؤدي إلى معاناة السكان نقص إمدادات الطاقة في فصل الشتاء القارس، وإنما في حاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أوراقها الداخلية وإصلاح قطاع الطاقة عبر توسيع قدرات محطات الغاز و(مصافي) الطاقة المحلية، إضافة إلى إصلاح هيكل الأسعار المحلية لترشيد الاستهلاك.
بينما قيرغيزستان دولة أخرى من دول وسط آسيا تواجه أخطاراً هائلة في مجال الطاقة، مع احتمال كبير أن تتفاقم مشكلة الكهرباء لديها هذا الشتاء، خاصة أن إنتاجها من الطاقة الكهرومائية كانت دائماً أقل من تلبية الطلب المحلي، وتزداد التحديات هذا العام أكثر من أي وقت مضى مع تقلص الإنتاج في محطة الطاقة الكهرومائية من خزان توكتوجول الذي يولد أغلب الكهرباء في البلاد.
المشكلة الرئيسة بالطبع تكمن في أن إنتاج البلاد من الطاقة يتراوح بين 14 و15 مليار كيلو واط/ساعة سنوياً، بينما يصل الحـد الأدنى للاستهلاك الوطني من الكهرباء إلى 17 مليار كيلوواط/ساعة، ومع استمرار تراجع الإنتاج فإن أغلب التوقعات تشير إلى أن البلاد لن يكون أمامها هذا العام من سبيل لحل معضلة الكهرباء إلا تقنين استخدام الكهرباء.
ورغم استيراد قيرغيزستان الكهرباء من الدول المجاورة، إلا أن ذلك لم يكفِ، ما اضطر الرئيس صدر جباروف إلى إعلان حالة الطوارئ في قطاع الطاقة، التي ستستمر لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام من عام 2023 إلى 2026، ما يكشف عن عمق المشكلة وتجذرها.

تحديداً هذا الوضع الصعب لقطاع الطاقة في قيرغيزستان هو ما دفعها من وجهة نظر ديرموت أجاري أستاذ اقتصادات الطاقة في جامعة كامبريدج إلى اللجوء إلى الصين لمساعدتها للخروج من مأزقها الراهن.
ويقول لـ”الاقتصادية”: إن “سبب اللجوء إلى الصين هو البحث عن استثمارات ومساعدات لبناء البنية التحتية في مجال الكهرباء في البلاد، ووقع الطرفان مذكرة لبناء مشروع محطة للطاقة الكهرومائية بنحو ثلاثة مليارات دولار أمريكي، حيث يعد هذا المشروع الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد وسينتهي تشييده عام 2030”.
ويضيف: “هذا المشروع رغم أهميته، ربما يساعد البلاد على حل مشكلتها في الأمد الطويل، إلا أنها في حاجة إلى مزيد من الإجراءات والتدابير العاجلة لحل المشكلة الراهنة”. هذا الوضع المتشابه لقصور بلدان آسيا الوسطى عن تلبية احتياجات مواطنيها من الكهرباء، وعجز شبكة الطاقة لديها في توفير الاحتياجات المطلوبة للتنمية الاقتصادية والنمو المتسارع في أعداد السكان، كان مدخلاً ذهبياً لتتقدم روسيا في (نوفمبر) من العام الماضي باقتراح يعرف بـ”اتحاد ثلاثي للغاز” يضم كلاً من روسيا وكازاخستان وأوزبكستان لتسهيل شحنات الغاز الروسي إلى اقتصاد آسيا الوسطى وكذلك إلى المشترين الخارجيين وتحديداً الصين.
من الواضح حتى الآن أن بلدان وسط آسيا رغم إمكاناتها الضخمة في مجال الطاقة، سواء بتوفر الوقود الأحفوري أو الطاقة المتجددة، تواجه أزمة في مجال إنتاج الكهرباء، وربما يتطلب الخلاص من هذا الوضع طرح خريطة طريق جماعية تفتح الطريق أمام المستثمرين والقطاع الخاص بما يسمح بالاستفادة بشكل متزايد من الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها بلدان المنطقة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
عدد من سكان أحياء القامشلي بلا مياه السفير الضحّاك: عجز مجلس الأمن عن النهوض بمسؤولياته شجع الاحتلال على مواصلة اعتداءاته صباغ يبحث مع قاليباف تعزيز العلاقات الثنائية بين سورية وإيران بسبب عطل بجوار سد الفرات.. انقطاع التيار الكهربائي عن الحسكة أولى جلسات الحوار "التمويني" تنطلق في اللاذقية  والعين على قوانين عصرية تسهّل التعامل بين المواطن والتاجر الجلالي يترأس اجتماعاً للجنة الاقتصادية لبحث واقع الشركات المساهمة والصعوبات التي تعترض مسار إحداثها وتشغيلها مجلس الشعب يقر مشروع قانون تعيين الخريجين الأوائل ببعض الكليات في وزارة التربية ويمنح ‏الإذن بالملاحقة القضائية لثلاثة من أعضائه وزارة التربية تطلق الموسم التاسع من تحدي القراءة العربي الطائرات القناصة.. تكنولوجيا حرب تستهدف المدنيين في غزة المعلن والمخفي في مسار التفاوض بين هوكشتاين ونتنياهو.. أي أفق مرتقب وماذا يُحضّر للبنان تحت ستار «الهدنة ‏والاتفاق»؟