ملف «تشرين».. مسيرةٌ حافلة بالتناقضات والعثرات يقودها خريجون متعثرون.. التعليم المهني يضع قطاع الأعمال أمام اختبار حقيقي.. فهل سيكسب الرهان؟؟!

تشرين- بارعة جمعة:

يُحضّر الطلاب والطالبات للعمل في اختصاصٍ أو حرفة أو صنعةٍ ما، أي أن يصبح خبيراً في مجالٍ معيّن، هو التعريف العلمي الشائع لقطاع التعليم المهني، وإذا ما نظرنا للأمر بعين الواقع، سنجد العكس تماماً، كيف، وقد طغت ميادين العلوم الأخرى على اهتمام الأغلبية من الأهالي قبل الطلبة، ممن عُرفوا بتقييمهم المُسبق لمكانة أبنائهم أُسوةً بثقافة مجتمع، لم يدرك حتى اليوم أهمية قطاع التعليم المهني في رفد الاقتصاد بخبرات خاصة ومتخصصة، تساعد في دوران عجلة الاقتصاد بقوّة، عدا عن احتمال تخديمه بقطاعاتٍ إنتاجيةٍ، تعود بالفائدة على الجميع، فما مدى قدرتنا على الفهم الصحيح لهذا القطاع ومن ثم توجيهه بالطريق الصحيح؟! وما هو دور قطاع أعمالنا في رفد هؤلاء الخريجين بميزات ومجالات، تجعل منهم روّاد أعمالٍ قادرين على الأخذ بهذا القطاع للمسار الصحيح؟؟!

ضعف التأهيل

التركيز على المهارات الأساسية يضع خريجي التعليم المهني أمام صعوبة العثور على فرصة عمل من جهة، وعلى عدم الاعتراف بجهودهم المبذولة ضمن هذا المجال من جهة أخرى، رؤية واقعيّة قدمها الدكتور مجد الشوا مدير المعهد التقاني الهندسي بجامعة دمشق حول واقع خريجي التعليم المهني، ممن وقعوا في فخ البطالة وعدم تناسب قدراتهم مع المهام المطلوبة، فمثلاً، تجد خريج المعهد التقاني الهندسي يعمل بقطاع البناء، كوسيط بين المهندس والورشة، لأن المهندس وتحت ضغط البطالة بدأ يعمل كمساعد مهندس، وأخذ فرصته ببساطة.

د. الشوّا: طالبُنا غير متعثر.. الاقتصاد متعثر وعلينا أن نمنح الطالب نوراً بنهاية النفق ومنحه الأمل بفرصة عمل

معاناةٌ حقيقيّة تواجه قطاع الأعمال في سورية، مردّها ضعف التدريب الصيفي برأي الدكتور الشوّا، آخذاً بالأمر لمسؤولية الشركات بالدرجة الأولى بقبول عدد من المتدربين في الصيف والإشراف على مشاريع تخرجهم، ومن ثم اختيار المتميزين للعمل لديها، فمهمتنا جميعاً برأي الشوا، أن نجعل الطالب يرى النور نهاية النفق، ومنحه الأمل بفرصة عمل، وهو ما ينبغي أن يكفله قطاع أعمالنا، انطلاقاً من مبدأ أن خريج التعليم المهني أكثر مرونة بالتعامل مع الورشات والعمال، عدا عن وجود اختصاصات في المهني غير موجودة في الكليّات، مثل المساحة وهي مهنة منفردة، فالعمل على استقطاب رؤوس الأموال وطنياً بما يخلق فرص عمل كريمة لهم هو واجب قطاع الأعمال حسب رؤية الدكتور الشوّا، درءاً لاستنزاف العمالة بالهجرة، عدا عن أن التوجه نحو قطاع البناء يولد أكثر من 50 مهنة.

توعية مجتمعية

“طالبنا غير متعثر، الاقتصاد متعثر”، بهذه الكلمات وصف الدكتور مجد الشوا مدير المعهد التقاني الهندسي بجامعة دمشق حال الاقتصاد المحلي، مايُحمل قطاع الأعمال مسؤولية مجتمعية قبل هدف الربح برأيه، كما أن تشغيل التقانيين يوفر مبالغ هائلة قد تُهدر فيما لو تم العمل من دونهم، والمطلوب اليوم هو التوعية الاجتماعية بمفهوم التعليم المهني، فخريج المعهد التقاني ليس حرفاً ساقطاً، وعلينا أن نعلّم أبناءنا كيف يحلمون، وعدم الخجل لكونه من طلاب الفروع التطبيقية، كما يتوجب على “التربية” مراعاة هذا الأمر من الصفوف الدنيا بوساطة المناهج، يضاف لذلك الاهتمام الحكومي بالمعاهد التقانية، عبر رهن ميزانيات أعلى لها وتقديم أجهزة متطورة لها، والتعويضات الأعلى لمعلمي الحرف.

د. الشوّا: خريجو التعليم المهني أكثر مرونة في التعامل مع الورشات والعمال

لا يمكن فصل التوعية عن مبدأ التوظيف، الذي اقترن منذ القدم بالوساطات والمعارف وفق توصيف الدكتور مجد الشوّا، وهو ما يفرض على الشركات تحديد دائرة معينة ضمنها للتواصل مع الشباب، وتنظيم المعارض والندوات التعريفية لجذبهم والعمل معهم، وإيجاد مشاريع ذات ربحية معقولة الهدف منها تشغيل الشباب التقاني، وانتظار أرباح أعلى في المستقبل، مع ضرورة الالتزام بالتصنيع الوطني كبديل عن الاستيراد، وخصوصاً فيما يتعلق بالطاقات المتجددة.

خلل معرفي

التقييم وتحديد مستقبل الطلبة هما أبرز معوقات دعم وتأهيل كوادر التعليم المهني، رؤية لم تكن بعيدة عن قطاع الأعمال الذي يلمس حتى اليوم نتائج هذا الفهم الخاطئ لهذا المجال، فما يحدده الأهل من مستقبل لأبنائهم وفق تقييم الدرجات دفع بالكثير لاختصاصات بعيدة عنهم، وفق رؤية رجل الأعمال ورئيس جمعية الشحن والإمداد الوطني رياض الصيرفي، فالفكر النظري يختلف عن العملي، ملقياً المسؤولية في مسألة التدريب على غرف الصناعة بصفتها إحدى مهامها، ويجب الأخذ بها، عبر تدريب قرابة 5 خريجين مع تجديد كل ترخيص لها، وذلك ضمن خطة تدريب بين 3 إلى 4 أشهر، الذي بدوره سيثقّل المعلومات النظرية لهم.

التقصير موجود، ولاسيّما أن فرص العمل قليلة جداً، ولكن الفائدة مشتركة لدى الطرفين عبر تنمية المدارك والمهارات لخلط العلم بالمعرفة، وهو ما تفتقده الكثير من القطاعات كالقطاع الفندقي والمطاعم بكل مستوياتها، التي تعاني عدم الخبرة بالتعامل، برأي الصيرفي، وما نحتاجه اليوم هو بيئة حاضنة مهيأة لاستقبال الخبرات الجديدة ضمن مؤسسات معينة، وما يهم قطاع الأعمال اليوم هو الخبرة، التي تمثل الفرق الكبير بين الحياة النظرية والعملية، ما يفسح المجال للشخص المميز بأخذ فرصته، وذلك عبر خطة عمل لإدراج الخريجين أيضاً ضمن قائمة المعامل، بين كوادر جمعت الخبرة والدراسة، والعمل على الاحتفاظ بها في الداخل بدلاً من الهجرة.

الصيرفي: مسؤولية التدريب من مهام غرف الصناعة عبر تدريب قرابة 5 خريجين مع تجديد كل ترخيص لها

قطاع الشحن كغيره من القطاعات يعاني افتقاد العمالة العادية، وهي ثغرة عدّها رئيس جمعية الشحن والإمداد الوطني رياض الصيرفي كبيرة، أمام جهوده المتواصلة في إقامة دورات بمعدل 4 دورات ضمن منهاج مأخوذ من “الفاياتا” وكيلة منظمة الشحن الدولية، بهدف رفع مستوى مهنة الشحن لارتباطها أوتوماتيكياً بالخارج.

شهادات أم مهارات؟!
تساؤلات مشروعة فرضتها متطلبات سوق العمل، وضعت قطاع الأعمال بمواجهة مباشرة مع واقع متغير، فالمهارة تسبق الشهادة، لا بل وتطغى عليها في كثير من الأحيان، حسب توصيف رجل الأعمال وعضو غرفة تجارة دمشق محمد حلاق للمشهد، الذي لم تغب غرف التجارة عن تفاصيله، عبر المشاركة بصياغة كتب التعليم المهني وإعدادها ضمن قطاعات كالمحاسبة وغيرها من القطاعات التي تعني قطاع الأعمال نفسه.

حضورٌ لم يكن بعيداً عن مجلس التعليم التقاني، ضمن صيغة ممثل لغرف التجارة، يعطي ويُبدي رأيه بالشقين التعليمي ومتطلبات سوق العمل، الذي بدأ متغيراً بسرعة برأي الحلاق، وهنا تكمن قدرة قطاع الأعمال بالإضاءة على المهارات المطلوبة من جهة، ومدى إقناع أبنائنا لرفع مهاراتهم من جهة أخرى، فالتعليم المهني يرفع المهارات مقابل العلوم، بينما بعض الأشخاص يرفع مهاراته بما يتوافق مع سوق العمل.
البيئة الحاضنة، هي إحدى الدعائم الأساسية لاحتواء خريجي التعليم المهني، نقطة لم تكن بعيدة عن اهتمام غرف التجارة وفق تصريح حلاق لـ”تشرين”، والتي تميزت بفترات عدة باحتضانها للمبدعين ولمشاريعهم لمدة ستة أشهر، نظراً لعدم قدرتهم على الاستمرار بها بمفردهم، وذلك عبر تزويدهم بالعلوم المطلوبة وهي متنوعة بين ثقافة العمل والاندماج بسوق العمل وكسر حاجز الخوف وأخذ زمام المبادرة ومهارات التسويق لمشاريعهم، إضافة لشرح الصعوبات المستقبلية التي ستواجههم في سوق العمل، وكان للبعض منهم مشاريع ناجحة.

حلّاق: المهارة تسبق الشهادة، وهنا تكمن قدرة قطاع الأعمال بالإضاءة على المهارات المطلوبة

العبرة ليست بعدد الخريجين، بل بمدى تلبية متطلبات سوق العمل، كما أن آلية العمل في مرحلة الدراسة الأكاديمية تختلف عن طرق العمل لدى التجار والصناعيين على أرض الواقع، فروقات قدّمها رجل الأعمال محمد حلاق تؤكد أهمية تدعيم المعرفة بالمهارة العملية، وهو ما عمل عليه قطاع الأعمال أيضاً مع المعاهد التجارية وفق خطة تدريب تحت مسمى المُرشد التجاري، وذلك ضمن تقديم خبرة رجل أعمال كل أسبوع يتحدث بها عن أسلوب عمله، يرافقه عدد من خبراء التسويق والحقوقيون وغيرهم، فما يسمى بنكهة الزمان والمكان والأشخاص تجسدت ضمن حضور الطلبة في مدرجات غرف التجارة، وهو ما عكس جرأة الطرح والنقاش، والذي بدوره عكس وجود شراكة بين قطاع الأعمال والتعليم العالي والتعليم التجاري.

مسؤولية مشتركة
يدخل بعمق عمل المنشآت الصناعية والمهنية، وبالتالي فإنّ إكمال الدائرة يعتمد على نصف الخبرة ونصف اكتساب المعلومات، قواعد عمل تضمن نجاح هذا القطاع بتحقيق هدفه برأي الخبير في إدارة الموارد البشرية الدكتور هاني حداد، لكونه محوراً مهماً وأساسياً.

د. حداد: إكمال دائرة الأهمية يعتمد على نصف الخبرة ونصف المعرفة

والقطاعان العام والخاص يتحملان مسؤولية البحث عن هؤلاء الأشخاص

إلّا أن هنالك ثمة نقاطاً أساسية لابدّ من الالتفات إليها، حيث إن خريجي التعليم المهني يكتسبون خبرات معرفية عن كيفية استعمال الآلة، بغض النظر عن الخبرة، كما أن تدريبه على العمل عليها سيأخذ وقتاً قصيراً، لأن لديه البنية التحتية، فما نقوم به نحن هو استقطاب الخريجين وتعليمهم لاكتساب الخبرة.
هنا يمكننا القول وفق الدكتور حداد إنّ القطاعين العام والخاص يتحملان مسؤولية البحث عن هؤلاء الأشخاص، ممن اضطروا للبحث عن عمل خارج البلاد، وبالتالي نقص العمالة المهنية، فالاستثمار لهؤلاء الأشخاص من قبل قطاع الأعمال غير كافٍ، عدا عن الوضع الاقتصادي الذي فرض عليه جلب أشخاص قليلي الخبرة، وانحسار العمالة ومن ثم اتخاذ خطوات لتخفيفها، ما أدى لهجرتها، وما علينا اليوم فعله هو الاستثمار والعمل ببذخ لتدريب هذه الفئة واستقطابها للسير قُدماً بسوق العمل.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. منظومة التعليم ملأى بالخطط والاستراتيجيات وخالية من دسم فكر الريادة.. وبيئة العمل بلا مقومات لجذب خريجي التعليم المهني

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار