ملف «تشرين».. ليس سلبياً بالمطلق في ظروف استثنائية.. الإغراق يحفز رغبات الانكفاء ويربك منظومة العمل العربي المشترك

تشرين– ميليا اسبر:
العمل بمبدأ إغراق السوق بالمواد والسلع وطرحها بسوق أخرى بأسعار أرخص من سعر التكلفة ببلد المنشأ.هذا الإجراء ينعكس سلباً على الاقتصاد المحلي، حيث يؤدي إلى توقف الكثير من المنشآت عن العمل، وتالياً زيادة نسبة البطالة واستنزاف العملات الأجنبية. والأخطر هو حدوث خلل في الاتفاقيات التجارية التي تحدث بين البلدان. هذا ما أكده أهل الخبرة في الاقتصاد، وأن أكثر الدول التي تتعمّد استخدام الإغراق هي الدول المتقدمة.
القضاء على المنتجين
الوزيرة السابقة الدكتور لمياء عاصي، أوضحت في حديث لـ” تشرين” أن الهدف النهائي من الإغراق التجاري هو القضاء على المنتجين والمصانع المنتجة في دولة أخرى، من خلال قيام دولة مصدّرة لسلعة معينة بتسعيرها بأقل من سعر تكلفة إنتاجها، أو بأقل من سعرها في السوق المحلي لبلد التصدير لتكون مرغوبة، ويتم استيرادها بدل الإنتاج المحلي, صحيح أن السعر القليل للسلعة يصبّ في مصلحة المستهلك الذي يحصل على بضائع بسعر رخيص, ولكن هذه الحالة، إذا كانت مستمرة، فإنّها تغزو الأسواق وتضرّ بالصناعة المحلية والمنتج المحلي، وتؤدي إلى إغلاق المصانع المحليّة أو انخفاض طاقتها الإنتاجية، وتالياً ارتفاع نسبة البطالة، وأنّ عملية الاستيراد وتدفّق السلع الرخيصة من دول أخرى تتسبب في نزيف العملات الأجنبيّة إلى خارج البلاد، إضافة إلى الآثار الضارة على اقتصاد المستهلك، من حيث الجودة لهذه المنتجات، بسبب رخص الثمن والتهافت على شرائها.

حالات الإغراق بين الدول العربية محدودة، وتتم معالجتها تباعاً في إطار اتفاقية المنطقة الحرة العربية الكبرى

وفي معرض حديثها عن موضوع الإغراق تطرقت د. عاصي إلى أمثلة عن هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال فرضت وزارة التجارة في مصر رسوم إغراق على الصادرات السورية من الخيوط النسيجية إليها، وذلك بعدما تلقت شكوى بأن الخيط السوري يصدّر إلى مصر بأسعار تقل عن تكلفته في سورية، واستمرت مصر بفرض تلك الرسوم حتى 2007 حيث تم رفعها. أيضاً هناك رسوم إغراق فرضها الاتحاد الأوروبي على صادرات الألواح الشمسية الصينية إليه، وغيرها الكثير من الأمثلة.

نهج انفتاح تجاري
وذكرت د. عاصي أنّه بشكل عام تكثر قضايا الإغراق في الدول المتقدمة، أو عندما يكون هناك نهج انفتاح تجاري، كما حدث في سورية بعد 2005 وزاد حجم المستوردات كثيراً، فسجلت قضايا إغراق كثيرة، خصوصاً بالنسبة للبضائع الصينية والتركية، أما حالياً، حيث المستوردات في حدود ضيقة ومدروسة وتقتصر على السلع الضرورية ومدخلات الإنتاج، فإنّ حالات الإغراق قد تكون محدودة جداً، ولم نسمع عن حالات كثيرة.
ولفتت عاصي إلى أنه بالنسبة لحالات الإغراق بين الدول العربية، التي ترتبط فيما بينها باتفاقية المنطقة الحرة العربية الكبرى “الجافتا”، فقد حددت الاتفاقية حالات الإغراق وكيفية احتساب هامش الإغراق، وفرض رسوم الإغراق بناء على الهوامش المحددة للإغراق، منوهة بأن حالات الإغراق بين الدول العربية تعدّ محدودة، وتتم معالجتها تباعاً في إطار اتفاقية المنطقة الحرة العربية الكبرى.

قوانين صارمة
بدوره الخبير بالشأن الاقتصادي شادي أحمد، أشار إلى أنّ هناك بعض الدول التي وضعت قوانين صارمة بموضوع الإغراق، لأنّ ذلك ينتقص من سياسة العرض والطلب التي تحدد المعيار السعري الدقيق لكل ما يحدث، وتالياً ظهرت هناك حالات كثيرة في دول متعددة تم إيقاف التعامل التجاري مع دولة أخرى بسبب وضع الإغراق أو الدعم.

بعض الدول العربية وضعت قوانين صارمة للإغراق..لأن ذلك ينتقص من سياسة العرض والطلب

وأكدَ أحمد أنه بعد التشوّه الذي حصل حالياً في السوق السورية نتيجة الحرب، لم يعد هناك ما يسمى إغراقاً لأنه لا يمكن إطلاقاً أن يقوم تاجر سوري سواء مستورد أو موزع عام ببيع المادة بأقل من تكلفتها الحقيقية، لأنهم في الأصل يبيعون المواد بأضعاف مضاعفة من التكلفة الحقيقية فوق هوامش الربح، لذلك لا يمكن أن يقوم أحدهم بعملية الإغراق أو الدعم (بينك) ضمن السوق السورية من أجل أن نستحوذ على السوق، مضيفاً أنّ الاستحواذ على السوق السورية يتأتّى من مجموعة من رجال الأعمال والتجار المتنفذين الذين يتحكمون بمفاصل كبيرة في الاقتصاد السوري.
وبّين أنّ قدرة الاقتصاد السوري على أن يقوم بإغراق أسواق أخرى ضعيفة جداً، تكاد تكون مستحيلة، ولكن قدرات الدول الأخرى، مثل الصين وغيرها، يمكن أن تكون كبيرة وتغرق السوق السورية وبالتالي نتيجة الإغراق سوف تخرج منشآت ومعامل ومزارع من الاقتصاد الوطني، وسوف تخرج عن الخدمة تماماً.
ومن هنا نقول: إنّ قانون التنافسية الذي أقرّته الحكومة هو السبيل الكافي بعدم حدوث هذا الإغراق ضمن السوق المحلية.
أنواع الإغراق
من جانبه دكتور الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري يشير إلى أنه عند الحديث عن الإغراق، فالمقصود هو الإغراق الخارجي، الذي يعني الحالة التي تقوم فيها دولة بإغراق أسواق دولة أخرى بتصدير سلعة إليها بأسعار تقل عن تكاليف إنتاجها، ما يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمنتجات المحلية المثيلة في الدولة المستوردة لهذه المنتجات وهو أشهر أنواع الإغراق، وتمارسه الدول المتقدمة والنامية على السواء، وأيضاً هناك إغراق داخلي يتمثل بحالة قيام شركة بطرح سلعة في السوق المحلي بسعر يقل عن تكاليف إنتاجها لإخراج المنافسين المحليين، وفي هذه الحالة تتبع الشركة خطة “دع السوق يتنفس صناعياً، وحطم عظام منافسين حتى يستسلم السوق، ويموت المنافسون ثم نبيع السلعة بالسعر الذي نحدده”
ظروف اقتصادية غير مواتية
وأشار د . حزوري إلى وجود إغراق مؤقت، وهو الإغراق الذي تلجأ إليه الدول عندما تمرّ بظروف اقتصادية غير مواتية، مثل حالات الكساد أو الأزمات الاقتصادية، مثلما فعلت دول جنوب شرق آسيا خلال العامين الأخيرين، حيث طرحت منتجاتها بأسعار منخفضة لتنشيط صادراتها وزيادة إيراداتها، بشكل يساعدها على مواجهة أزمتها المالية،

قانون التنافسية السبيل الوحيد لعدم حدوث الإغراق في السوق المحلية

مبيناً أنّ القواعد الدولية للتجارة تعارض سياسة الإغراق، وهو مخالف لمبادئ منظمة التجارة العالمية لعام 1995 لذلك كثيراً ما تنشأ خلافات بين الدول، وخاصة ما يتعلق بالاتفاقيات الثنائية نتيجة إخلال إحدى الدولتين بنصوص الاتفاقية الموقعة، وغالباً ما تكون هناك بنود تتعلق بمكافحة الإغراق، ورغم ذلك تتم ممارسته على أرض الواقع، منوهاً بأنه في ظل انتشار الإغراق من المهم أن يكون لدى الدول والحكومات إستراتيجيات لمواجهة هذه السياسات غير المشروعة والتي تضرّ بالاقتصاد الوطني.

تخفيض التكلفة على المستهلك
وذكر د. حزوري أنه من إيجابيات الإغراق في السوق السورية تخفيض تكلفة المنتج على المستهلك السوري، وزيادة مقدرته الشرائية الضعيفة، لأن الكثير من المنتجات والسلع الأجنبية تكون تكلفة استيرادها أرخص من تكلفة الإنتاج المحلي، وتالياً كلما تم تخفيض الأسعار، تكون لصالح المستهلك، لكن بالمقابل من المؤسف أن نجد معظم المواد التي تكون سبباً في إغراق السوق السورية في الوقت الراهن هي سلع داخلة بشكل غير مشروع، أي سلع مهربة، وخاصة المنتجات التركية التي تتمتع بالجودة والرخص أكثر من المنتجات المحلية. والسؤال الذي يطرح دائماً: كيف تصل هذه المنتجات لبائع المفرق الذي يلاحق أحياناً من قبل السلطات الجمركية، بينما تعجز هذه السلطات عن ضبط البضائع عبر المنافذ الحدودية أو المعابر؟
أما سلبيات الإغراق فبالتأكيد هي مضرّة بالاقتصاد الوطني وبشكل خاص للقطاع الصناعي.

مواجهة الإغراق
ولفت د. حزوري إلى أنه لمواجهة الإغراق في السوق المحلية يجب على الحكومة دعم الإنتاج الوطني بمحورين؛ الأول: تأمين مستلزمات الإنتاج بأفضل الأسعار، وتسهيل عمليات الاستيراد وتبسيط عمليات التمويل، وخاصة تصحيح السياسة النقدية وإلغاء المنصة، وأيضاً الإعفاء من الرسوم الجمركية عن كل المواد الأولية التي تدخل في الصناعة، مشدداً على ضرورة منع أي تكاليف غير مبررة أو عمولات أو ترسيم مخالف للقانون من أجل تخفيض التكاليف، وبالتالي تخفيض سعر البيع في السوق المحلية أو القدرة على المنافسة في السوق الخارجية .
المحور الثاني: حماية الصناعة الوطنية والمنتج الوطني من خلال دراسة حاجة السوق الفعلية، وفرض رسوم جمركية على السلع الأجنبية المنافسة للسلع الوطنية، ومكافحة التهريب الذي يؤثر سلباً على الخزينة العامة، وذلك من خلال ضبط الحدود والمعابر، وقبل وصول البضائع إلى محلات بيع المفرق،علماً أن ما تقوم به الممارسات الجمركية حالياً يربك الأسواق ولا يحمي الصناعة الوطنية.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. اتفاقيات اقتصادية تصب في ميدان العمل العربي المشترك.. خبراء يعوّلون على الثقة بالمنتج السوري.. فهل سنشهد انفتاحاً تجارياً يوازي الانفتاح السياسي؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
السفير الضحّاك: عجز مجلس الأمن عن النهوض بمسؤولياته شجع الاحتلال على مواصلة اعتداءاته صباغ يبحث مع قاليباف تعزيز العلاقات الثنائية بين سورية وإيران بسبب عطل بجوار سد الفرات.. انقطاع التيار الكهربائي عن الحسكة أولى جلسات الحوار "التمويني" تنطلق في اللاذقية  والعين على قوانين عصرية تسهّل التعامل بين المواطن والتاجر الجلالي يترأس اجتماعاً للجنة الاقتصادية لبحث واقع الشركات المساهمة والصعوبات التي تعترض مسار إحداثها وتشغيلها مجلس الشعب يقر مشروع قانون تعيين الخريجين الأوائل ببعض الكليات في وزارة التربية ويمنح ‏الإذن بالملاحقة القضائية لثلاثة من أعضائه وزارة التربية تطلق الموسم التاسع من تحدي القراءة العربي الطائرات القناصة.. تكنولوجيا حرب تستهدف المدنيين في غزة المعلن والمخفي في مسار التفاوض بين هوكشتاين ونتنياهو.. أي أفق مرتقب وماذا يُحضّر للبنان تحت ستار «الهدنة ‏والاتفاق»؟ «الوحوش الحمراء».. ثلاث مجرات ضخمة تم اكتشافها