تركيا وتوسيع الناتو .. قوة أم ابتزاز؟

ميشيل كلاغاصي:

منذ إنشاء حلف شمال الأطلسي ، لم يستطع أن يقدم نفسه هيكلاً موحداً لكافة أعضائه، وتعددت الخلافات والانقسامات الداخلية فيه حول عشرات القضايا والأزمات، ومؤخراً طفت على السطح خلافات وتوترات جديدة على خلفية الاعتراضات التركية على توسيع الناتو عبر انضمام السويد وفنلندا إليه، في وقتٍ اعتبر فيه البعض أن سبب التوترات يعود إلى طبيعة العلاقات الروسية – التركية، والحرب الدائرة في أوكرانيا، دون تقديم دليل واضح على ذلك، في حين بدت الاعتراضات التركية سياسية أكثر مما تبدو جيو سياسية في الطابع والهدف، على الرغم من كونها مفيدةً لروسيا من جانب، إلا أنه يبقى من المهم للناتو تحقيق أهدافه الرئيسية بالنيل من موسكو، في وقتٍ لا يمكن النظر فيه لتركيا تحلق بعيداً عن أهداف وسياسة حلف شمال الأطلسي، حيث قدمت أنقرة دعمها للناتو لتوسيعه في عديد المناسبات، بما فيها توريد الأسلحة وطائرات بيرقدار إلى أوكرانيا.
دائماً في الحديث عن تركيا وأردوغان، الذي يقود سياسة بلاده عبر “الخلطة العجيبة”، ما بين النفاق والأرجحة والمراوغات، والنفاق واستغلال الفرص واللحظات الحاسمة، وخصوصاً أن توسيع الناتو لا بد وبحسب نظامه المعتمد، أن يحصل على إجماع الأعضاء .
فما تحاول تركيا فرضه من بوابة توسيع الناتو، على كلٍ من الحلف وواشنطن والسويد وفنلندا، يصب في خانة رغبتها بتغيير سياسة الدول الغربية تجاه الأكراد، والحد من دعم السويد وفنلندا لبعض قادتهم ، الذين نالوا حمايتهم لسنوات ورفضتا سويةً طلب تركيا بتسليم 19 شخصاً على صلة بحزب العمال وجماعة غولن – بحسبما أعلنته تركيا – فكانت مناسبة انضمامهما إلى الناتو، فرصةً لم ولن تفوتها تركيا.
من زاويةٍ أخرى، جاء الاعتراض التركي كمحاولة لإنتزاع التنازلات من الولايات المتحدة ولاسيما حول إعادة إدراجها في برنامج الطائرات F-35 ، بعدما قامت واشنطن بطردها منه على خلفية صفقة شراء نظام الدفاع الصاروخي S-400 الروسية، وبعدما عجزت تركيا بإقناع واشنطن العودة عنه، لكنها وجدت الفرصة مجدداً من خلال الصراع الروسي – الأمريكي الكبير في أوكرانيا، وكذلك برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على تركيا منذ عام 2017.
تشعر تركيا بأنها باتت في موضعٍ أفضل وأنها تتوقع أن تعرض عليها واشنطن صفقةً ونوعاً من المقايضة ما بين قبولها انضمام السويد وفنلندا، مقابل استجابة واشنطن لمطالبها بالحصول على طائرات الـ F-35 .. في وقتٍ قدمت فيه تركيا عديد المساهمات لدعم واشنطن ضد موسكو في الملف الأوكراني، كانضمامها إلى جوقة المعاقبين، وتسليح الجانب الأوكراني، لكنها ومن باب المرواغة واللعب على الحبال استفزت واشنطن عبر محادثاتٍ أجرتها مع الروس والأوكران، بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار، وإيجاد حلٍ سلمي للأزمة، وسط قناعتها التي عبّر عنها وزير خارجيتها بقوله: “بعض دول الناتو لا تريد أن تنتهي حرب أوكرانيا”، وعليه تؤكد المواقف التركية أرجحتها ما بين مصالح موسكو وواشنطن والناتو، لانتزاع اعتراف الناتو بأهميتها كلاعب جيوسياسي رئيسي داخل الحلف وخارجه.
دون أدنى شك يمكن ربط المواقف التركية من توسيع الناتو بما يسمى “الاقتصاد السياسي” التركي، فالبلاد تئن تحت وطأة التضخم الاقتصادي وتراجع الليرة التركية، وتردي الحالة المعيشية للمواطنين الأتراك نتيجة السياسات التركية العدوانية التوسعية والدفع بقواتها العسكرية نحو احتلال وغزو جيرانها والتواجد اللا شرعي في غير دول، في وقتٍ تقترب فيه الانتخابات التركية، يشعر فيه أردوغان بالحاجة الماسة لرفع العقوبات الأمريكية، وانتزاع نصرٍ سياسي خارجي، يمكن ترجمته في صناديق الاقتراع، بالتوازي مع حملات التطبيل والتضخيم الإعلامي التي تقوم بها وسائل الإعلام التركية المؤيدة للرئيس أردوغان، والتي تروج لقدرته على انتزاع بعض التنازلات الغربية بلهجةٍ مؤثرة مرتبطة بطبيعة الشعب التركي ونخبه السياسية، القائمة على تأجيج الخطابات وتسخينها، كالحديث عن قدرة أنقرة على “إركاع الغرب على ركبتيه”، ويتم تصوير أردوغان على أنه “الرجل القوي” القادر على وضع “عينه في عين الغرب”.
يخطئ من يراهن على قوة الرئيس التركي، فالجمهورية التركية الحديثة، ومنذ نشوئها على أنقاض السلطنة البائدة وهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، قامت على أساس التصميم الغربي وتحديداً الأمريكي، الذي رسم ملامحها وصمم كافة مفاصلها واحتفظ بمفاتيح تفكيكها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار