اعتادت سورية في تحقيق سياساتها الاقتصادية والاجتماعية الخطط الخمسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، حتى جاءت الحرب الإرهابية فدمرت كل الكثير من الأشياء، واليوم يتبادر إلى أذهاننا سؤال عن نوع ومدى التخطيط الاقتصادي الذي تحتاجه البلاد اليوم للنهوض مجدداً.
خطط وفق الإمكانات
«بناء إمبراطوريات على الورق لن يجدي نفعاً»، هذه العبارة التي أكد عليها الدكتور نور الدين منى الخبير الاقتصادي ووزير الزراعة السابق، فالخطط التي ترسم يجب أن تكون واقعية ومرنة تستوعب الصدمات والمتغيرات الاقتصادية الطارئة كارتفاع سعر الصرف، والأهم أن يضع هذه الخطط خبراء مختصون ومؤهلون لمثل هذه المهام، فالمعني الذي تسلم حقيبته بالمحسوبيات والواسطات لن يتمكن من رسم استراتيجيات اقتصادية بل على العكس هو حريص على إبعاد الأكفاء وأصحاب الخبرات حتى لا يكونوا منافسين له .
وأضاف منى : المشكلة في خططنا التنموية أنها لم تتابع ولم تنفذ وهي لا ترسم وفق الإمكانات والموارد المتاحة بل في بعض الأحيان تكون خيالية يصعب تحقيقها .
وانطلاقاً من الواقع الزراعي الحالي قال الدكتور منى: في الوقت الراهن لا يمكن وضع خطط استراتيجية متوسطة أو بعيدة المدى، فأغلب مناطق زراعة محصول القمح حالياً هي خارج سيطرة الدولة، ولكن في المقابل يمكننا وضع خطط خاصة بالمناطق الزراعية والريفية التي عادت إلى سيطرة الدولة كمنطقة الغوطة، يجب أن تكون هناك خطط لإعادة إحياء المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية فيها .
وتابع: إن تنفيذ الخطط الزراعية يتطلب توفير مستلزمات الإنتاج، والأهم التنسيق والتشابكية بين الوزارات لتحقيق الخطة، فالتنمية الزراعية لا يمكن تحقيقها بمعزل عن وزارة الصناعة التي تصرف الإنتاج من خلال تأمين الموارد الأولية لمعاملها والتنسيق أيضاً مع وزارة المالية التي تؤمن التمويل والتسهيلات، موضحاً أهمية تحديد الصلاحيات المنوطة بكل جهة، ففي حالتنا السورية عندما تفشل خططنا كل جهة ترمي اللوم على الأخرى، منوهاً بأن الأمن الغذائي لا يمكن تحقيقه من خلال الخطط السياحية بل من خلال التخطيط الزراعي الواقعي والطموح .
خطط قطاعية مرنة
بالنسبة لبعض الخبراء الاقتصاديين لا يهم نوع التخطيط و مداه بل الأهم هو الغاية من الخطط الموضوعة المتمثلة بأمن الوطن الذي يتحقق من خلال أمن المواطن.
هذا من وجهة نظر الدكتور سنان ديب الخبير الاقتصادي الذي يرى أن الخطط الخمسية في الماضي حققت تطوراً ملحوظاً ومؤشرات إيجابية تعكسها نسبة الطبقة الوسطى و معدلات البطالة والفقر، ولكن الخطة الخمسية لعام ٢٠٠٥ التي لم تطبق كما كان مخططاً والتي تبنّت (اقتصاد السوق الاجتماعي) أحدثت تغيرات بنيوية سهّلت المؤامرة العالمية .
وشدد على أن التخطيط ضرورة و لكن قد يكون عبر خطط آنية ومتوسطة أو طويلة المدى، وبالنسبة للحالة الراهنة في البلاد فلا بدّ من أن نلحظ المتغيرات العالمية المترافقة مع جائحة كورونا واستمرار الاحتلال الأمريكي بسرقة ثرواتنا والعقوبات الاقتصادية، فالحل يكمن في برامج وخطط نوعية زمنية مرنة تستهدف قطاعات محددة وفق الإمكانات الحالية ولا تصل لخطط خمسية كخطة زراعية لتحقيق الأمن الغذائي، وخطة للصناعة تهدف لإحلال صناعات محلية بدلاً من الاستيراد، وخطة لإنعاش السياحة، وخطة للتأهيل والتدريب، وخطة للاستثمار ضمن المناطق الآمنة، وخطط المشاريع الصغيرة و المتوسطة وخطط لإعادة الإعمار ويتم ذلك باستقلالية هادفة للوصول اللاحق لتكاملها .
قد يعجبك ايضا