موسم الحمضيات هذا العام مختلف عن سابقاته، فمعاناة المزارع كبرت وتشعبت ابتداءً من الزراعة حتى تسويق الإنتاج .. مؤشرات خطيرة قد تدفع الفلاح للابتعاد عن زراعة الحمضيات نهائياً، مع تراجع للإنتاج بنسبة 27% عن المواسم السابقة، وفي حال لم تجد الجهات المعنية الحلول المناسبة والسريعة، لتأمين المتطلبات لخدمة هذه الشجرة، وإنقاذ هذه الزراعة ومزارعيها فالتراجع في هذه الزراعة مستمر، فما هو الجديد هذا الموسم؟ وماذا عن آلية التسويق والأسواق الخارجية ؟.
موسم مؤلم جداً
هذا الموسم مؤلم جداً، هكذا بدأ مزارعو الحمضيات كلامهم خلال جولة ميدانية لـ«تشرين» على قرى سمكة ويحمور، وهما من القرى المشهورة بزراعة الحمضيات منذ عشرات السنين في محافظة طرطوس، يقول المزارع محمود الكنج من قرية سمكة: هذا الموسم لا يشبه أي موسم سابق، فقد تضافرت عوامل عديدة انعكست سلباً على واقع شجرة الحمضيات في حقولنا، وأهمها الظروف المناخية وعدم توافر المازوت الزراعي الذي نعتمد عليه لتشغيل المضخات والآبار الارتوازية لسقاية الأشجار، حيث تراجعت المخصصات من 50 ليتراً كل 15 يوماً إلى من 25-50 ليتراً كل شهرين وعبر «البطاقة الذكية» علماً بأنه متوافر في السوق السوداء بسعر /70/ ألف ليرة لـ /20/ ليتراً، إضافة إلى الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وعدم توافر الأسمدة في وقتها المناسب، كل ما سبق انعكس على شجرة الحمضيات التي انخفض إنتاجها ومواصفاتها، فالإنتاج رديء نتيجة العطش الشديد، ونتيجة أسواق التصريف.
تراجع الزراعة
وتابع المزارع علي أحمد من قرية يحمور : وصلنا لمرحلة لم نعد قادرين على تقديم الخدمة المناسبة لشجرة الحمضيات وأشجارنا التي يتجاوز عمرها العشر سنوات وأكثر تموت أمام أعيننا ويتراجع الإنتاج, وقد لجأ بعض المزارعين لاقتلاع أشجار الحمضيات واستبدالها بالزيتون أو البيوت البلاستيكية، عشرات العقارات تباع سنوياً بسبب الخسائر المتلاحقة التي مني بها المزارع على مدى سنوات، وتساءل : لماذا لا يتم تأمين الأسمدة بوقتها مع وجود كشوف حسية لدينا ؟ ولماذا لا يتم تفعيل صندوق دعم الكوارث بالنسبة للحمضيات حتى اليوم؟
اتحاد الفلاحين مقصّر
اتهم المزارعون اتحاد الفلاحين بالتقصير في المطالبة بحقوقهم، من خلال تأمين المازوت الزراعي والأسمدة، فالمزارعون يعملون وفق ترخيص زراعي سواء للحمضيات أو للزراعات المحمية، وبرغم تحرير أسعار السماد فهو غير متوافر في المصارف الزراعية، وأشار المزارعون إلى أن حصر توزيع السماد في أماكن زراعة القمح، أوجد سماسرة تعمل على تهريب السماد من مناطق زراعة القمح وإغراق الساحل بها بسعر 110 آلاف ليرة للكيس.
وبيّن المزارعون أن الجمعيات الفلاحية الموجودة بكل قرية، لم تتحرك حتى اليوم لناحية تسويق الإنتاج لـ(السورية للتجارة)، مع العلم أننا سمعنا عن البدء بالتسويق، وتابع المزارع ناصر الكنج: في ظل غياب الجمعيات الفلاحية عن تسويق الحمضيات بدأنا بالتسويق لسوق الهال بأسعار 500 ليرة للنوع الأول, و350 ليرة للنوع الثاني يضاف إليها أجور النقل, والتي تصل لـ /125/ ألف ليرة للنقلة الواحدة وسعر العبوة المستعملة /1000/ ليرة إضافة إلى عمولة سوق الهال وبحسابات بسيطة مزارع الحمضيات سيقع في خسارة محققة، فأين اتحاد الفلاحين من كل هذا ؟ وطالبوا «السورية للتجارة» بتسويق كامل المحصول وبالسعر الذي حددته والذي يرونه مناسباً.
غياب الرقابة عن مشاتل الزراعة
يضاف إلى كل ما سبق كما يؤكد المزارع ناصر الكنج ، غياب الرقابة عن المشاتل الزراعية التابعة لمديرية الزراعة في طرطوس، فالمزارع يفاجأ بعد زراعة الصنف المطلوب من مشاتل الزراعة بأن ما زرعه أصناف مختلفة وليس الصنف المطلوب، وهذا يؤثر في الإنتاج إضافة إلى أن النوعية المستخدمة بالتطعيم في مشاتل الزراعة قديمة، لهذا يضطر المزارع للجوء إلى المشاتل الخاصة لشراء الشتول وبسعر مرتفع جداً تصل لـ /8/ آلاف ليرة للشتلة الواحدة .
استبدال الغرس
في رده على شكوى المزارعين من تباين أنواع الحمضيات التي يحصلون عليها من مشاتل الزراعة أكد المهندس محمد حسن رئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية زراعة طرطوس أنه بإمكان المزارع استبدال الغراس بعد مراجعة رئيس المركز ولجنة البيع المشكلة لهذا الغرض، وهذا الرد لا يحل المشكلة فالمزارع لا يكتشف تباين الأنواع إلا بعد الزراعة وبداية حمل الثمار.
إيقاف التراخيص
وأوضح موسى عيسى حامد صاحب مشغل لتوضيب الحمضيات في قرية سمكة أثناء تواجدنا في الشغل أن الواقع الحالي للتصدير صعب جداً, وخاصة أنه على صاحب البراد دفع /2000/ دولار على الحدود السورية الأردنية عن كل حمولة وهذا المبلغ مرتفع جداً، إضافة إلى المعاناة الكبيرة أيضاً من البلاغ رقم /4/، الذي يقضي بإيقاف التراخيص لمعامل الفرز والتوضيب وغيرها ضمن مناطق الإنتاج، وفرض الترخيص ضمن المناطق الصناعية والذي سيشكل عبئاً إضافياً على المزارع الذي لم يعد قادراً على الاستمرار.
القرار (1071) حّد من الصادرات
وأوضح المصدر زياد حسين بلورة أن المصدّر اليوم يعاني من القرار /1071/ والذي حدد /8/ آلاف دولار للبراد الواحد وفرض تسليم /4/ دولارات للدولة على أن تعاد للمصدر بعد التصدير مباشرة ، وهنا وقعنا في قضية الروتين والتأخير والعرقلة والذي يؤخر استرداد المبلغ لأكثر من /15/ يوماً إضافة إلى العمولة المرتفعة والتي تصل لـ 6 في الألف, وتدفع مرتين للبنك /30/ دولاراً, وللمنشأة /30/ دولاراً وهذا زاد الأعباء بشكل كبير، وأشار إلى أن القرار السابق قد يكون جيداً، ولكن التأخير والروتين وآلية التطبيق ولّدوا خسائر كبيرة للمصدر، وطالب بتعديله لزيادة التصدير، إضافة لمشكلات الوكالات الخاصة والتي تحتاج حلولاً سريعة.
لم نتفق على الأسعار
ينفي محمود ميهوب رئيس اتحاد فلاحي طرطوس أي اتفاق على الأسعار بين الاتحاد و«السورية للتجارة»، مؤكداً أنه وخلال الاجتماع الذي وجه له وزير التجارة الداخلية لتسويق كميات من الحمضيات بالتعاون مع اتحاد الفلاحين، تم عقد اجتماع بخصوص وضع الأسعار التأشيرية للحمضيات التي سيتم استلامها من الفلاح مباشرة، وخلال الاجتماع لم يتم الاتفاق على الأسعار، كون «السورية للتجارة» افترضت أن الأسعار التأشيرية التي ذكرها وزير التجارة الداخلية خلال وجوده في طرطوس هي الحد الأعلى.
من هنا لم نوقع كاتحاد على محضر الاجتماع ، لنتفاجأ يوم الخميس الفائت ببدء (السورية للتجارة) تسويق المادة ومن دون أي تنسيق مع اتحاد الفلاحين، وأضاف ميهوب: إنه خلال الأسبوع الحالي سيتم عقد اجتماع مع لجنة التسويق في مبنى المحافظة لاعتماد أسعار تتناسب مع التكلفة الحقيقية للمنتج والكميات التي سيتم استجرارها من قبل «السورية للتجارة»، مؤكداً عدم وجود فرق في العملية التسويقية عن المواسم السابقة, مبيناً أن المازوت الزراعي يتم توزيعه حسب المتوفر والإمكانات المتاحة، أما الأسمدة فالأولوية لمزارعي القمح وذلك وفقاً لتوجيهات وزارة الزراعة.
«السورية» تسوق /30/ طناً
على الرغم من أن إنتاج محافظة طرطوس من الحمضيات بمختلف أنواعها لهذا الموسم وحسب التقديرات الأولية لمديرية زراعة طرطوس /213/ ألف طن لم يسوق فرع (السورية للتجارة) منها سوى /33/ طناً فقط حتى اليوم, كما أكد المهندس محمود صقر مدير الفرع، مبيناً أن الفرع مستمر بتسويق الحمضيات من المزارع مباشرة، مع تقديم الصناديق والإعفاء من أجور النقل وتوفير عمولة 7% أجور نقل و3% حسم على الوزن أي تصل قيمة التوفير للكيلو الواحد لحدود 225-250 ليرة سورية، هذا يضاف للسعر التسويقي أي إن الأسعار جيدة ومناسبة، مضيفاً: إنه تم الاتفاق على الأسعار خلال الاجتماع الذي عقد بمبنى المحافظة وبمحضر اجتماع متفق عليه من جميع الأطراف, وأشار إلى أن (السورية للتجارة) مستمرة بتسويق الحمضيات وفق المواصفات المطلوبة، إلا أننا لا نستطيع تسويق كامل إنتاج المحافظة منها، مؤكداً في حال زيادة سعر الكيلو في أسواق الهال ستعمل (السورية للتجارة) على رفع السعر للمزارع مباشرة.
تنافس كبير
يشير عاصم أحمد عضو لجنة التصدير في غرفة تجارة وصناعة طرطوس والمكلف بمتابعة التنسيق مع الجهات المعنية للحصول على التسهيلات الممكنة لتنشيط عملية التصدير، إلى أن آفاق التصدير للدول العربية ومنها السوق العراقية، مغلقة حالياً كون التنافس صعباً جداً لجهة ارتفاع التكاليف لدينا، من نقل وسماد ومازوت وأدوية.
وحالياً أعمل وبشكل شخصي وبتكليف من غرفة تجارة طرطوس على إنشاء نقطة ترانزيت بحرية بين الإسكندرية وميناء طرطوس وميناء نوفوراسييك الروسي، لتصل الحاوية مبردة خلال أسبوع، وحالياً يتم التفاوض مع رجال الأعمال المصريين المسؤولين عن هذا الخط البحري، ومحاولة إقناعهم بجدوى المجيء إلى سورية.
أخيراً:
من يتجول في بساتين الحمضيات يرى كيف ذبلت الأوراق والثمار على أمها، نتيجة العطش وتراجع الخدمة المقدمة لهذه الشجرة، والمساحات الشاسعة التي قلعت منها أشجار الحمضيات، كل هذا أمام مرأى ومسمع الجهات المعنية، إلا أنه لا مجيب، فهل ستتحرك الجهات المعنية لإنقاذ ما تبقى من هذه الزراعة أم ستشهد السنوات القادمة تراجعاً كبيراً بالإنتاج بعد أن تغنينا ولسنوات تجاوز إنتاجنا من الحمضيات المليون طن..؟.