خلط أوراق
وسط شكوك بقدرة باريس على تبديد الخلافات المعقّدة بين الأطراف الليبية المتصارعة، والأهداف التي ترمي إليها، تعدّ العاصمة الفرنسية العدّة لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا في 12 الشهر الجاري، بهدف صرحت عنه وزارة الخارجية الفرنسية إنه يصب في خانة “إظهار الدعم الفرنسي المستمر للعملية السياسية”، لاسيما تنظيم الانتخابات المقرر إجراؤها نهاية كانون الأول القادم، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وفق جدول زمني واضح.
عدد الدعوات التي وزّعتها باريس على جميع الدول المعنية بالملف الليبي من جهة، ومستوى التمثيل الأمريكي والألماني من جهة أخرى -إذ من المقرر أن تشارك نائب الرئيس الأميركي كامالا هاريس، والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل- يشي بأن المؤتمر يحظى بدعم أميركي- أوروبي وقد يفضي إلى نتائج تساهم في دفع مسار الأوضاع باتجاه الحل السياسي.
لكن أي نتائج فعلية تحتاج إلى قبول جميع الأطراف الليبية حضور المؤتمر قبل الخوض في أي تفصيل لاحق.
حتى الآن يرفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة تلبية الدعوة الفرنسية لحضور المؤتمر، على خلفية ما تكشّف عن نية باريس إقحام الكيان الإسرائيلي في المؤتمر، مع العلم أن ليبيا لا تقيم مع كيان الاحتلال أي علاقات.
وما يجعل التكهنات ترسم سيناريو فشل مشابه لمؤتمر باريس ومؤتمري برلين السابقين حول ليبيا، هو أن إجراء الانتخابات في موعدها نهاية كانون الأول القادم يتطلب التوافق والنزاهة، وهذا بدوره يتطلب حل الملف الأكثر تعقيداً وهو إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وهذا ما يبدو صعباً على مخرجات المؤتمر خاصة مع استباق رئيس النظام التركي رجب أردوغان انعقاد المؤتمر وإعلانه عدم مشاركة بلاده في حال مشاركة اليونان وقبرص، وقطع الطريق على أي مطالبة بسحب مرتزقته بالقول “إن قواته موجودة في ليبيا للتدريب وفق اتفاق مع الحكومة السابقة في طرابلس”.
بالنظر إلى الدور الذي لعبته فرنسا في الأزمة الليبية، بدءاً بالمشاركة في غزو ليبيا عام 2011 ومروراً بكل المواقف المتذبذبة التي أفقدتها مصداقيتها لدى الأطراف المتصارعة وأقصتها عن الملف الليبي، يسهل على المتتبع التكهن بأن مؤتمر باريس المرتقب، رغم ما يحظى به من دعم أمريكي- أوروبي، لن يضيف أي جديد على مخرجات الاتفاق السياسي ومؤتمري برلين حول ليبيا، فكل ما يطمح له إيمانويل ماكرون من وراء هذا المؤتمر هو إعادة خلط الأوراق لإعادة التموضع الفرنسي داخل الملف الليبي قبل أي تغيير سياسي قد تحدثه الانتخابات المقبلة، بجميع الحالات فإن الأيام القادمة ومخرجات المؤتمر ستكون تحت المجهر لعل وعسى أن يكون هذا المؤتمر مختلفاً عن السابق وإن كانت الشكوك المرافقة أكثر من الآمال المعقودة، وننتظر لنرى.