استعراض عضلات
في خطوة استفزازية تركية جديدة, عادت الأزمة التي تشهدها العلاقات التركية- اليونانية إلى مربعها الأول مع إعلان النظام التركي استئناف أعمال التنقيب في شرق البحر المتوسط لتتفاقم التوترات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي, ولتغدو فرضية المواجهة التركية- اليونانية هي أبرز الاحتمالات الصعبة وربما تكون الحرب أحد خياراتها.
جاء إعلان رئيس النظام التركي رجب أردوغان استئناف عمليات التنقيب عن النفط شرق المتوسط بعد أن كان أعلن تعليقها الأسبوع الماضي لبدء مفاوضات مع أثينا بناء على طلب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل, متهماً أثينا “بعدم الوفاء بوعودها”, على خلفية توقيعها اتفاقاً بحرياً مع القاهرة, أبطل فعلياً اتفاقاً أبرمه أردوغان العام الماضي مع فايز السراج رئيس “حكومة الوفاق” الليبية رغم كل الانتقادات الليبية والدولية لهذا الاتفاق المثير للجدل.
منذ نحو عام والنظام التركي يصر على الإيغال بخطة تثير جدلاً للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، رغم كل التحذيرات الدولية والمطالبات بالتوقف عن هذه الأعمال غير القانونية, في دليل واضح على أن أردوغان لا يرمي فقط للتنقيب عن النفط والغاز, وإنما يريد أيضاً أن يظهر تركيا -بتاريخها العثماني الاستبدادي المشبع بالدماء- بمظهر “القوة المهيمنة” في شرق المتوسط.
في ظل التوتر المتزايد ولاستفزازات التركية المستمرة، باتت فرضية المواجهات التركية- اليونانية أبرز المآلات التي يمكن أن ترشح عن هذا التوتر والذي سيضع “ناتو” في مأزق باعتبار البلدين عضوين فيه, وخاصة بعد أن طالبت اليونان باجتماع عاجل لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي لتسوية الأزمة.
ويخطط قادة الاتحاد الأوروبي لعقد قمة استثنائية في 24- 25 آب الجاري لتقييم العلاقات التركية- اليونانية المتوترة, ومن المتوقع أن يبحث الأوربيون في إجراءات مناسبة للتعامل مع سياسة المواجهة التي ينتهجها نظام أردوغان منذ سنوات والتي سممت عقوداً من العلاقات بين الطرفين, وفرض عقوبات على تركيا لإجبار أردوغان على وقف عمليات التنقيب غير القانونية التي تتم في شرق البحر المتوسط, بالإضافة لإجباره على احترام حظر بيع الأسلحة إلى ليبيا.
ما لا شك فيه أنه إذا استمر أردوغان بتسخين الأوضاع شرق البحر المتوسط إلى حد حدوث أي مواجهة عسكرية مهما بلغ حجمها, فإن الدول الأوروبية ستقف جميعها إلى جانب اليونان، وأردوغان قبل غيره يدرك هذه الحقيقة ولذلك لن يجرؤ على افتعال أي مواجهة عسكرية مع اليونان، بل سيكتفي باستعراض العضلات ومواصلة سياساته الاستفزازية, في محاولة يائسة وممجوجة لإحياء الدولة العثمانية البغيضة من خلال إظهار “هيمنة” فارغة كبالونات هواء.