المنطقة بين التجربتين الصينية والأمريكية
عاش الشرق الأوسط منذ عقود بعد الحرب العالمية الثانية في توتر وفوضى وعدم استقرار، وهذه كانت أبرز سمات هذه المراحل التي كان فيها الوجود الأمريكي السياسي والعسكري في الشرق الأوسط كثيفاً ومنفرداً، وهذه الحقائق الحاضرة غائبة عن ذهن مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الذي قال: “إن دخول الصين إلى إيران سيدمر الاستقرار بالشرق الأوسط”!.
في ظل الاحتكار الأمريكي لأغلب الشرق الأوسط، لم تشهد المنطقة الاستقرار مع غياب التنمية والمساعدات الفعالة, فهي على ندرتها كانت دائماً مشروطة سياسياً وبما لايضر “إسرائيل” ودائماً لخدمتها، التنمية التي تدعمها الصين اليوم بمعادلة المصالح مقابل المصالح بلا شروط سياسية، تُقلق الإدارة الأمريكية التي تريد المنطقة تحت يديها، من خلال الإفقار بما يجر إلى التبعية والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي، الذي يُعد اليوم من أشكال الاحتلال غير المباشر.
في المنطقة صدام غير مرئي بين البنك الدولي وشروطه المجحفة ومن خلفه أمريكا وبين التنمية والمشاريع الضخمة التي تتقدم بها الصين، فأمريكا مارست نفوذها على دول عربية لمنعها من قبول الهبات والمشاريع الصينية، كما حدث في لبنان الذي هو بأمس الحاجة للمشاريع الصينية الضخمة في الكهرباء والطرقات والسكك، لكن نتيجة الضغط الأمريكي انتهى الأمر بلبنان إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي على قرض لن يمر من دون شروط خفية أو ظاهرة، يشك أنها ستذهب بالطريق الصحيح نحو التنمية والمشاريع التي يحتاجها لبنان.
المنطقة عليها تجربة التعايش مع فلسفة كونفوشيوس القائمة على القيم الأخلاقية لأنها تماثلنا بدلاً من “ثقافة” الرأسمالية الغربية الاستهلاكية.. والمشاريع التنموية المستدامة بدلاً من المصارف والقروض والفوائد الضخمة، وأن يتم التوازن في هذه المنطقة -مركز العالم الجغرافي- بين غروب الشمس وشروقها، علماً أن التخفيف من الاتجاه نحو الغرب الرأسمالي لايعني القطيعة معه، لكن تجربة النموذج الصيني جديرة بالاهتمام.
المنطقة بحاجة إلى تجربة جديدة ومختلفة عن السابقة، التي لم تنتج إلا الفوضى والتبعية مقابل لا شيء، الصين خيار صائب في شعار الاتجاه شرقاً، وليس المقصود الاتجاه بقدر التجربة النافعة لدول المنطقة.