الله يردّ العين عنها!

هذا وقد آلمَنَا دهرُنا فانحشرنا في باصات النقل الداخلي، وشاهدنا العجبَ العجاب، وكدنا نكفر بمَنْ كان السبب، ونشتمُه بكل اللغات واللهجات وحتى على طريقة الشاعر الهجّاء: “اِبعَثْ لَهُ يا رَبِّ ذاتَ أَرجُلِ/في فَمِها أَحجَنُ مِثلُ المِنجَلِ.. دَهماءَ مِثلَ العَنكَبوتِ المُحوِلِ/ تَأخُذُهُ مِن تَحتِهِ وَمِن عَلِ”.
ذلك أنّ السائق الأشوس القادم من معارك «داحس والغبراء», والقادم من مضارب بني عبس كان يصرخ ويستشيط غضباً ولعاباً وناراً ضدَ الركاب المساكين كما لو أنهم «مرابعين» عند البيك الإقطاعي: “هيه يا نسوان ارجعوا لورا شو ما بتفهموا”، “أنت يا حجّي شبك ضاربها طناش”، “يا أخونا عبّيلنا ورا.. الباص فاضي”… وطبعاً تحوّل الباصُ الذي صُمِّمَ لخمسين راكباً وصارَ مثل «شوال القطن أبو خط أحمر» مكبوساً و”مفعوساً” حتى كأن رؤوس الركاب وأكواعهم وأرجلهم وحقائبهم تفتّقت وخرجت من الشبابيك والأبواب وشقوق السقف وفتحات الطوارئ.
المصيبة هي أن أحد الركاب «النخوجيّة» بدأ يكبس الناس من الباب الخلفي ويصيح مقلّداً “زعيم باب الحارة”: “ارجع لورا يا حبيبنا… إنتي يا عيني زحّي على جنب مو شايفة الزحمة”… فيما الناس ساكتةً وصامتةً، تنعجِنُ، وتتقلّز، وتنشوي و”تتدافش” بالمنكبين والمرفقين والكوعين والبوعين وبكلِّ ما يمكن أن يلكِزَ، وينخزَ، ويضيّقَ الخلقَ، ويحبسَ النّفسَ، ويمطَّ الرقاب التي اشرأبّتْ ليسَ فرحاً وابتهاجاً برؤية المحبوب “يا عيني عليه”، بل اختناقاً وقهراً وطلباً للرحمة مثل “فراريج” موضوعة في قفص.
كنتُ مع المنحشرين الذين حالفهم الحظّ بأن وجدتُ شبّاكاً لأتنسّم هواءً نقياً بعيداً عن متحولات «كورونا”» بأنواعها الفيروسيّة والبشرية… لكنّي فكّرتُ وخشيتُ كلّ الخشية أن تكونَ حال خططنا ومشاريعنا الإدارية والتنموية المستقبليّة تشبه حال باصاتنا «الفِرجة»… الله يردّ العين عنها!.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار