انتصر الدّم على الـ«F 35».. والحاضنة وحدها صاحبة الرّأي
ادريس هاني:
كل يحسبها بمزاجه، فبينما جعل الفرسان الحرب امتداداً للكرامة، جعل الاحتلال منها امتداداً للرغبة في الاعتراف، وفي ملتقى البواريد تقول النّار كلمتها وتعوي الضباع، فمن لا عهد لهم بالحرب سيبكون خرابَ قوم كانوا دائماً يتمنّون انمحاقهم من الوجود، المعنيون بمخرجات التضحية القصوى هم على معرفة بالمطلوب، ينتاب الرعب أولئك الذين راهنوا على انتصار الاحتلال لتصفية حساب سياسوي قديم مع غريمهم الذي زرع الجبال كرامة.. شامخاً، قوي الشكيمة أَنوفاً، لم يشبعوا شماتة، لكن قائد حرب الإبادة مُكره اليوم لا بطل، فبنك الأهداف انتهى أو بالأحرى تعب الاحتلال من مواصلة طقس شرب الدّم.
سيخرج الفرسان من تحت الرماد، سيبكي الشامتون حظهم العاثر، فالاحتلال لم يفِ لهم بالوعد، سيترك أيتاماً على قارعة التّاريخ، فقادة الاحتلال تنتظرهم المحكمة، بينما قادة الفرسان ينتظرهم المجد، لا عليك، إنّها جعجعة بلا طحين، فاترك الجميّل وما حمل، وارمِ ببصرك أقصى التّاريخ، ويا جبل مطرّز بالأرز ومحلّى بالسنديان، ما يهزّك ريح، وابتسم لأيلول، حين تحطّ الشمس بالسنبلة وتحضنها العذراء، ولا تنسى أنّ أيلول ذيله مبلول، وللمحتل قولوا: برو..ترك كنيد..
أيتام الاحتلال على عهد لَحْد سيشربون هوا، لم يدركوا الدبكة على طريقة الفرسان، جنوباً وبقاعاً موسومة بإيقاع الانتصار أو بالأحرى عنيدة من فرط رواء العاصي.
ابتلعوا شماتتكم إذاً، اليوم عرس الشهداء، لا شيء من هذا الجرح العميق يذهب سدىً، انتهت سرديات المجرمين، وحلّ مكر التاريخ، من كان ينتظر نهاية الفرسان، فليمت كمداً.
ثم لا صوتَ يعلو على صوتها في تسعينيتها المجيدة وقد صبّوا حمماً بزقاق البلاط مسقط رأسها التليد، والتاسوعات هي هاهنا تسع بها نفحة القيام وصولة الخيام، مما لا عين رأت ولا خطر على قلب رعديد، فاسمع غير مسمع لعلك تعي الحكمة الخالدة للفرسان:
يا قمر مشغرة يا بدر وادي التيم
يا جبهة العالي وميزرة بالغيم
قولوا إن شا لله القمر يبقى مضوي وقمر
لا يطال عزه حدا ولا يصيب وجهه ضيم
سيرحلون، وليس لهم إلّا أن يرحلوا، وفرق بين خطة الأقدام هاربة وخطتها مقبلة، فمرحى بجيش تلك مهمّته وذاك تُرابه، والعين تراقب خلطة الورق، واليد على الزناد، والحرب خدعة، فتذكر عهد الأشتر، أيتها الأرانب البرية، ادخلوا مساكنكم، فلقد انتصر من انتظرتم هزيمته، فارفلوا في نفاقكم تربت أيديكم.
ماذا بعد أن تضع الحرب أوزارها، وعن أي حصيلة نتحدث؟ لقد عاد الميزان واستقامت قواعد الاشتباك، وكان لا بدّ من تكلفة قاسية، من عزائم تزيل الجبال ولا تزول، لقد أنقذ الفرسان العالم من ذُهان أحمق، وكفاه منازلة منتحل صفة قائد روما العظمى، كم يحتاج المحتل لترميم قواعده العسكرية، موانئه التجارية، محطاته الصناعية، معداته الحربية، والأهم ثم الأهم من كل ذلك، بنيته النفسية، هيبته التي تحطمت في يوميات القصف وصليات الفرسان لكل الأعماق التي كانت قبل ذلك محروسة، لبنود اتفاق الهدنة التي فرضت شروط الفرسان، التكلفة كبيرة، لكنها كسرت سطوة الإمبراطورية، فهناك في بنود الهدنة يجري النقاش مع الفرسان وليس مع الجرذان، وهي شأن دولي يتجاوز المراهقة السياسية. قدر الجيش أن يلتئم مع الشعب، قاتلت المقاومة لتفتح الطريق أمام الجيش الوطني ليكون حيث وجب أن يكون وطنياً وليس كما في أحلام من استطال خيالهم وخاب أملهم و”فطس” ظنهم.
وعلى من نسي، أن يتذكر وينصت لهذا الهدير:
خطة قدمكن عالأرض هدارة
إنتوا الأحبا وإلكن الصدارة
خطة قدمكن عالأرض مسموعة
خطوة العز وجبهة المرفوعة
ويا حلوة اللي عالحلى عم توعى
عنقك العقد وإيدك الإسوارة…
النظر معاني، كما العبودية معاني، وهذا نصر جريح، لكنه نصر إستراتيجي وطن ما لم يكن في الحسبان، والنازحون فرقاً من الاستسلام يعودون بشموخ الخالدين، والأرض من تحت أقدام العائدين تتكلم كرامةً، ذلك هو جمال الصمود وجلاله، فالمجد لمن تفنن في الشهادة، وارتقى في الوفاء، والموت لمن شمت، وطغى، وخان.. ومسيرة النصر تبدأ من هنا، من هنا، أتعرفون ما معنى من هنا؟ أي من حيث بدأنا، ومن حيث بدأنا هو زمن الانتصارات، الانتصارات التي تؤلم حراس معبد الهزيمة.