استحقاقات تنتظر الحكومة في سهل الغاب.. وملفّات مزمنة «هربت» منها حكومات سابقة
تشرين – محمد فرحة :
منذ منتصف التسعينيات وحتى يومنا هذا لم يدخل سهلَ الغاب مشروعٌ جديد ، بل على العكس تمّ إيقاف بعضِ ما كان موجوداً منها، كأحواض تربية وتسمين الأسماك الحكومية التي كانت تنتج أكثر من ٤٥٠ طناً، تغطي حاجة عدة محافظات، فتمَّ إيقافها وإحداث مركز لتوزيع الإصبعيات بعدما تمّ إحداث الهيئة العامة للأسماك ومقرُّها مدينة جبلة..
هذا من جهة، ومن جهة ثانية تمّ في مطلع الثمانينيات إحداث عدة قرى نموذجية لإسكان الناس من باب إيقاف قضم الأراضي الزراعية ، وتمّ إنشاء البنى التحتية للعديد من هذه القرى ، وعند عملية توزيع مساكن القرية التي تمّ إحداثها اختلف المعنيون حول أحقية توزيع هذه المساكن في حين تمّ تخريب البنى التحتية لبعضها الآخر كما حدث في بلدتي شطحة ومرداش..
في أواخر التسعينيات درست الحكومة إقامة مشروع ما أطلق عليه / أغروبلس / الذي كان يهدف إلى تحويل سهل الغاب إلى مجموعة مشاريع وإعادة النظر بالزراعات المعتمدة هناك وإدخال زراعات جديدة بديلة كالورود مثالًا، كما كان يطرح وذلك بتمويل من صندوق النقد الدولي ومن المنظمات الدولية .. وفشل المشروع..
وفي بداية الحرب على سورية وحتى يومنا هذا زار سهل الغاب كلُّ رؤساء الحكومات السابقين، من أجل دراسة ومعرفة ماذا يحتاج سهل الغاب؟
ومن نافل القول سأشير هنا إلى سيدة فاضلة مزارعة كانت قد استوقفت وزير زراعة يوماً، كان يتفقد محصول القمح عندما كان مصاباً بمرض الصدأ الأصفر و قالت: “سيدي الوزير كل هذه الزيارات لا تغني ولا تسمن من جوع، فكل ما نريده منكم هو توفير المياه لسهل الغاب واتركوا البقية علينا”..
هذا هو لسان حال كل مزارعي منطقة سهل الغاب، فأي مشروع يمكن أن يغيّر أولوية الزراعات هناك غير مضمون النجاح ، فسهل الغاب الذي ينتج في السنين الخيّرة ١٢٢ ألف طن من القمح وقد يزيد، كيف يريد المعنيون الاستغناء عن هذا الإنتاج؟ وكان إنتاجه من الشوندر ٦٥% من إجمالي إنتاج سورية وفيض من القطن، وهي المحاصيل الإستراتيجية..
ففي حكومة بداية الأزمة و أثناء زيارة رئيس الحكومة، تمّ طرح إقامة معملين الأول للألبان في منطقة شطحة ومرداش والثاني لصناعة الكونسروة، وبعد أن تمّ تحديد المواقع اللازمة ومساحاتها، جاءت النتيجة الصادمة بأنّ هذين المشروعين غير اقتصاديين ولا جدوى من إقامتهما.
فالشيء الوحيد الذي تمت إقامته هو مطحنة في بلدة سلحب وهو المشروع الوحيد الذي كانت بحاجته المنطقة إذا اعتبرنا أنّ جزءاً من أراضي مدينة سلحب يقع في مجال سهل الغاب..
آخر المشاريع التي تمّ إقرارها في ظل الحكومة الماضية كان إنشاء منطقة صناعية في عين الكروم ، قبل ثلاث سنوات من الآن، وبين خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الخلف يراوح المشروع في مكانه ، فما زالت الأعمال الإنشائية للبنية التحتية في مستهلها.
المعنيّون اليوم يتهيؤون لزيارة سهل الغاب مجدداً لمعرفة واقعه، وماذا يحتاج من مشروعات اقتصادية تنموية بناءة ، وهذا في حد ذاته مكسب كبير فيما لو تحقق، لكن أيّ مشروع يمكن إقامته من دون توافر مياه السدود، وتأهيلها وإعادة عمليات ضخ المياه من أقنية الري الرئيسة إلى سدود أفاميا /آ ..ب/ ..
حسناً؛ إن كان الهدف من ذلك إحياء الاقتصاديات فليكن التركيز على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، فهي التي تشكل دعماً للاقتصاد الإجمالي وتحسِّن من الواقع الأسري بشكل كبير ، وخاصة أنّ كلّ مقومات نجاحها متوافرة في منطقة سهل الغاب ..
لكن الحجر العثرة في طريق نهوضها هو غياب التمويل من المصارف العامة ، في وقت تشكل فوائد المصارف الخاصة العقبة الكبيرة في وجه نمو وازدهار هذه المشاريع نظراً لحجم فوائدها الذي يتعدى الـ٢٠% و٢٣% فأي ربح يبقى بعد ذلك للمشتغلين بها .
رئيس اتحاد فلاحي حماة حافظ سالم أوضح لـ”تشرين” بأن أولويات سهل الغاب تتمثل في تأهيل مجمع سدود أفاميا الخارج عن الخدمة منذ منتصف التسعينيات.
وزيادة على ذلك؛ لا بدّ من إقامة سدات معدنية على مصرفي السهل /آ ..ب/ لحفظ المياه التي تغمر الأراضي الزراعية شتاء وهو الذي يعطش صيفاً.
وختم حديثه سالم بمطالبة الفلاحين بإقامة خزانات المياه على الينابيع أيضاً بدلاً من ترك المياه تذهب هدراً، والإسراع في إنجاز البنية التحتية للمنطقة الصناعية في رجوم عين الكروم التي تمّ إقرارها منذ سنة ونصف السنة.
من ناحيته أوضح أوفى وسوف مدير عام هيئة تطوير الغاب بأنّ جلَّ ما يحتاجه الغاب هو تأهيل السدود لإرواء المحاصيل الزراعية ، وعندها يمكننا أن نزرع شتى أنواع المحاصيل..
بالمختصر المفيد؛ أيُّ خطوة تحقق تغييراً لمجرى واقع سهل الغاب نحو الأفضل فهي خطوة مباركة ومنشودة ، لكن جلّ ما يحتاجه هذا السهل الخصب هو توفير المياه وذلك لا يتحقق إلّا من خلال تأهيل سدوده.