‏«ناشيونال إنترست»: مرة أخرى عن أميركا في «الصور الجماعية».. محزنٌ كل هذا التراجع للنفوذ الأميركي؟!

تشرين:‏

الصورة تساوي ألف كلمة.. تقول صحيفة «ناشيونال إنترست» الأميركية في وصف ما آل إليه موقع الولايات ‏المتحدة من انحسار ظاهر في نصف الكرة الغربي والذي بدا جلياً في القمة الأخيرة لمجموعة التعاون الاقتصادي ‏لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك». وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حضر هذه القمة فيما كان الرئيس المنتخب دونالد ‏ترامب يهدد بالمزيد من العزلة لأميركا معلناً استئناف الحرب التجارية مع الصين، ومع دول أخرى، بعضها حليف، ‏وبعضها الآخر في الجوار الأميركي.. وترى الصحيفة أنه لأمر محزن هذه الحال. ‏
وتقول الصحيفة الأميركية في مقال/طويل عريض/ لها اليوم الأربعاء: لقد عكست الصورة الأخيرة (الجماعية) لزعماء ‏العالم المجتمعين في قمة (أبيك) الأخيرة في ليما/ بيرو، صعود الزعامة الصينية على الساحة العالمية، فقد تم وضع ‏الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل استراتيجي في مركز الحدث في الصف الأمامي، في حين تم وضع بايدن في ‏الزاوية الخلفية من تشكيلة الصور، وقد تم إعداد الصورة بمهارة للترويج لفكرة أن الصين آخذة في الصعود، وأن ‏الولايات المتحدة آخذة في الانحدار.‏
وترى الصحيفة أن هذا ينبغي ألا يكون مفاجئاً لأولئك الذين يعرفون أميركا الجنوبية جيداً، فقد أصبحت الصين أكبر ‏شريك تجاري لتلك القارة.. وهي أيضاً أكبر مُقرض في المنطقة.. وهذا بعيد كل البعد عن القرن العشرين عندما كانت ‏الولايات المتحدة مهيمنة، وكانت بكين بالكاد تسجل حضوراً.. ففي عام 2000، كانت الصين تمثل أقل من 2% من ‏إجمالي صادرات أميركا اللاتينية، ومنذ ذلك الحين وعلى مدى العشرين عاماً التالية نمت تجارة الصين مع أميركا ‏اللاتينية 26 ضعفاً. ‏
لنوضح أكثر..‏
تقول «ناشيونال إنترست»: في حين تعرب واشنطن عن قلقها إزاء العواقب العسكرية المترتبة على تمويل الصين لمرفق ‏ميناء رئيسي في تشانكاي في بيرو بقيمة 1.3 مليار دولار أميركي، فإن زاوية هجوم بكين على النفوذ في أميركا ‏الجنوبية وخارجها تظل اقتصادية أكثر. وقد حذرت الجنرال لورا ريتشاردسون، القائدة القتالية الأميركية المنتهية ‏ولايتها للقيادة الجنوبية، من أن المنافسة الفعالة مع الصين تتطلب من واشنطن أن تركز بشكل أكبر على تطوير ‏سياسات غير عسكرية تساعد في إيجاد بدائل تجارية جذابة لما تقدمه بكين.‏
وتشير الصحيفة الأميركية إلى حديث البروفيسور جيمس هولمز من كلية الحرب البحرية بهذه الشأن حيث يقول: «إن ‏السفينة التجارية المتواضعة تشكل جزءاً مهماً من القوة البحرية الصينية بقدر أهمية سفينة الحرب ــ بل ربما أكثر ‏أهمية». والواقع أن الجيش الأميركي، حتى قياداته الإقليمية المقاتلة القوية التي تشبه وزارة الخارجية، لا يستطيع أن ‏يصلح مشكلة القوة الناعمة هذه بالأدوات العسكرية، لأن الصين تكتسب القوة في مختلف أنحاء العالم باستخدام النفوذ ‏التجاري، وليس جيش التحرير الشعبي إلا على طول حدودها المباشرة. وفي مختلف أنحاء إفريقيا وآسيا، فضلاً عن ‏أميركا الجنوبية، أصبحت الصين الشريك التجاري المركزي.‏
في غضون ذلك، يبدو أن نفوذ الولايات المتحدة آخذ في التضاؤل، وهو واقع تحول القوة الذي تجسد في تنظيم ‏مجموعة «بريكس» حيث تأسست في البداية من الهند والبرازيل والصين وروسيا في عام 2006. ومنذ ذلك ‏الحين، أضافت خمس دول أخرى هي: أولاً جنوب إفريقيا، ثم مصر وإيران وإثيوبيا والإمارات، لتصبح مجموعة ‌‏«بريكس+» لتشمل بذلك ما يقرب من نصف سكان العالم من الأعضاء، الذين يمثلون حوالي 28٪ من الاقتصاد ‏العالمي و44٪ من إمداداته النفطية. بينما أعربت 30 دولة أخرى عن اهتمامها بالانضمام (مثل السعودية) وأصبحت ‌‏13 دولة مرتبطة ببريكس كـ«شركاء» بما في ذلك تركيا وبيلاروس وكازاخستان وأوزبكستان وتايلاند وإندونيسيا ‏ونيجيريا وغيرها.‏
وتتابع «ناشيونال إنترست»: تأسست مجموعة بريكس في المقام الأول لفرض التغييرات في النظام المالي الدولي القائم ‏الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ الحرب العالمية الثانية، وتتمثل إحدى المهام الأساسية لبريكس في ‏استبدال دور الدولار باعتباره الوسيلة الأساسية للمدفوعات في العالم، وتهدف إلى تعزيز استخدام العملات المحلية في ‏التجارة. وإلى جانب ذلك تعتزم بريكس تطوير بديل مصرفي مالي للبنك الدولي، وكذلك آلية دفع دولية بديلة مستقلة ‏عن نظام «سويفت» الذي استبعدت منه روسيا على خلفية حرب أوكرانيا.‏
وفي قمة بريكس الأخيرة في قازان/روسيا، في تشرين الأول الماضي، تم التأكيد أكثر على أهمية بريكس المتنامية ‏عالمياً عندما حضر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش القمة، ودعا إلى المساعدة في صياغة نظام مالي ‏عالمي أكثر عدالة.‏

وترى الصحيفة الأميركية أنه مع استعداد الإدارة الجديدة التي يقودها ترامب لتولي منصبها في 20 كانون الثاني ‏المقبل فإن تركيزها سيكون على التحديات الاقتصادية الطويلة الأجل التي تواجه الولايات المتحدة، سواء على المستوى ‏المحلي أم الدولي، وسيتعين على واشنطن أن تقيّم بعناية الآثار المتعددة المترتبة على مجموعة بريكس باعتبارها ثقلاً ‏موازناً متزايداً لهيمنة واشنطن التقليدية على النظام المالي الدولي.‏
ومع وجود الصين وروسيا والهند وإيران والبرازيل كأعضاء أساسيين، فلن يكون من السهل على الولايات المتحدة ‏وحلفائها في أوروبا الغربية وآسيا إيجاد أرضية مشتركة للتعامل مع التوقعات والمتطلبات المتزايدة لهذا التحالف الجديد ‏من اللاعبين. ‏
لقد شق نفوذ «بريكس» طريقه بالفعل إلى المجال الدبلوماسي للأمن القومي.. فقد سارت قمة مجموعة العشرين الأخيرة في ‏ريو دي جانيرو/البرازيل (التي تتألف من أكبر 20 اقتصاداً في العالم) بشكل أقل نجاحاً بالنسبة للولايات المتحدة ‏مقارنة بمؤتمر التعاون الاقتصادي في ليما.‏
وقد اتخذت قمة مجموعة العشرين، التي استضافها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، منعطفات صعبة ‏بالنسبة للمشاركين الغربيين، خاصة عندما حان وقت صياغة البيان الختامي للقمة، وقد اهتم الرئيس البرازيلي جيداً ‏بأعضاء بريكس الآخرين، روسيا والصين وإيران، من خلال تخفيف اللغة القاسية المؤيدة للغرب بنجاح فيما يتصل ‏بحرب أوكرانيا والشرق الأوسط.‏
وتضيف «ناشيونال إنترست»: العرض الأساسي في قمة العشرين لم يكن من الولايات المتحدة أو حلفائها، ما يؤكد ‏التحولات الكبرى الجارية في ميزان القوى العالمي.. لقد شوهد زعيم الهند ناريندرا مودي ورئيس الصين شي جين بينغ ‏وهما يتفاعلان بشكل مريح على الهامش، ويواصلان تعزيز العلاقات بعد شهر واحد فقط من توصل البلدين إلى حل ‏لنزاعاتهما الحدودية الطويلة الأمد في جبال هيمالايا.‏
وتماماً كما حدث في ليما، كان رئيس أميركا «خارج الصورة» عندما فات الرئيس بايدن الصورة الرسمية للقمة التي تم ‏التقاطها في اليوم الأول، ما تطلب إعادة التقاطها لاحقاً في المؤتمر. ‏
وتختم «ناشيونال إنترست» بالقول: مع تولي الإدارة الجديدة لمنصبها/إدارة ترامب/ فإن المشاعر المتزايدة المؤيدة للحمائية ‏وإعادة الإنتاج إلى الداخل سوف تصطدم بتحالف متنامٍ من البلدان التي تتمتع باقتصادات قوية ومتنامية.. وقد ينتهي ‏الطريق الذي ستسلكه الولايات المتحدة في هذا العالم الجديد إلى اختبار القوة الأميركية في المجال الاقتصادي بقدر ما ‏اختبرته بالفعل في المجال العسكري.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار