سورية و54 تصحيحاً مجيداً.. شعب وجيش وقائد.. معادلة وطن ونصر/ صمود وثبات ومواجهة

تشرين – مها سلطان:

أكثر ما يَحضرنا اليوم ونحن نحيي الذكرى الـ 54 للحركة التصحيحية المجيدة وسط استشراس العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وسورية، ووسط انقلاب الموازين ومعادلات القوة إقليمياً ودولياً، وحتى انقلاب مفاهيم الدول والوطنية والسيادة والكرامة والحقوق الإنسانية..
أكثر ما يحضرنا اليوم وسورية ماتزال على خط النار وفي قلب المواجهة والصمود وسط معركة عالمية/غربية استعمارية جديدة لرسم خريطة استعباد جديدة للشعوب ونهب ثرواتها..
أكثر ما يحضرنا اليوم فيما الخطر محدق من كل جانب، وفيما المنطقة تقف على أعتاب مفترق مصيري جديد تبدو فرص النجاة شبه معدومة إذا ما أخذنا حال الأمة بعد عقد ونصف العقد من «ربيع» الحروب والاقتتال، وحيث لا تزال الفُرقة والانقسام والارتهان عنوان الحال والأحوال.. و« والتخطيط والتطلعات»..
أكثر ما يحضرنا ونحن نحيي ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة كلمة لسيد المقاومين، لسيد الشهداء، السيد حسن نصر الله وهو يتحدث عن نهج التصحيح وعن قائده القائد المؤسس حافظ الأسد الذي «كان دائماً على خط النار، وفي ساحة المقاومة، وفي قلب الصراع، قائداً كبيراً، وسياسياً عظيماً ومحنكاً، وخصماً مخيفاً، ومناوراً بارعاً وحليفاً موثوقاً.. بل جبلاً راسخاً شامخاً، يمكن للمقاومين المجاهدين من أجل كرامة الأمة وكل الشرفاء أن يستندوا إليه بكل اطمئنان ويقين». يقول سيد الشهداء.
المعركة مع عدو الأمة كانت أساس الحركة التصحيحية في عام 1970، وكانت أساس الانتصار في حرب تشرين التحريرية في عام 1973 ، ما بعدهما.. ولا تزال المعركة قائمة ما دام العدو قائماً جاثماً على أرضنا، وعلى هذا الأساس انتظمت الأولويات السورية على نهج التصحيح الذي جاء كحركة منسجمة، متواصلة، مترابطة، لأنها كانت مبنية على رؤية استراتيجية واضحة، وأهدف واضحة، وتستند إلى قيادة مطمئنة وقوية وشجاعة لا تتردد. لقد مثلت الحركة التصحيحية فعلاً متماسكاً مُحفزاً مُتقدماً جامعاً، وطنياً، قومياً لأنها تبنت قضية الأمة من جهة.. ومن جهة ثانية لأنها تبنت بناء دولة قوية راسخة بأركانها، دولة مواجهة وصمود، فكل فرد أو حزب أو دولة، يكبر ويصغر بحسب حجم وأهمية القضية التي يتبناها والأهداف التي يعمل من أجلها.
يقول سيد الشهداء، السيد حسن نصر الله:«كانت الحركة التصحيحية بداية التحولات الكبرى في منطقتنا على كل صعيد، وتتجدد الذكرى ونبقى أمام الإنجازات التاريخية، التي من أهمها أن سورية استمرت في خط هذا القائد (المؤسس حافظ الأسد) لم تحد عنه، ولم تتزحزح قيد أنملة، فهي الوفية لنجله وحافظ عهده سيادة الرئيس بشّار الأسد».

راية التصحيح
ولا تزال سورية مع الرئيس بشار الأسد تحمل راية التصحيح ونهجه عملاً ومواجهة ومقاومة وصمود، في أشد مراحل الأمة وأحلكها، ليكون النصر حليفنا من جديد، ولتكون سورية قوية بأهلها وجيشها وقيادتها. إنه قدر سورية ولا يزال أن تكون «إما بوابة الصمود والمواجهة وإما بوابة الانهيار والاستسلام».. ولن يكون السوريون إلا مع الخيار الأول ومع ترسيخ إنجازات الحركة التصحيحية، وفي قلب كل معركة، لإسقاط كل رهان من خائن، متآمر، عميل، متواطئ/داخلي أو خارجي/ لفرض الخيار الثاني.
لذلك، عندما يتمسك السوريون، عاماً بعد عام، بالاحتفاء بذكرى الحركة التصحيحية، فهم لا يفعلون ذلك فقط من باب الاحتفاء، بهدف الإبقاء عليها حيّة قائمة، بل لأن إحياء الذكرى يمثل تذكيراً ودعوة لاستمرار المراجعة والتبصر في النهج والممارسة من جهة.. وفي القدرة على التعامل مع القضايا المستجدة التي تفرزها مجالات التطور وسياقات الأحداث الإقليمية والعالمية التي تؤثر بشكل مباشر على سورية وعموم منطقتنا.
فإذا كانت الحركة التصحيحية هيأت الظروف والأسس الوطنية الجامعة للعمل السياسي وبما عزز الاستقرار والجبهة الداخلية، وتالياً الانطلاق في عملية البناء والتحديث والتطوير.. فإن الحركة نفسها استطاعت أن تكون حركة رائدة ببعدها العربي/القومي، لتضع سورية في مقدمة العمل العربي المشترك، ولتجعلها الرقم الصعب في معادلات المنطقة وبما لا يمكن لأحد تجاوزها حتى في هذه المرحلة التي يعتقد فيها العدو، واهماً، أنه تمكن واستحكم، رغم أنه عملياً ما زال ينتظر أن تقول سورية كلمتها الأخيرة.

لا خلاف ولا اختلاف
لن نخوض في مسألة الخلاف والاختلاف حول التصحيح، كحركة وأهداف وخلفيات ونهج ونتائج، إذ نادراً ما نجد اجماعاً على المحطات التاريخية الجذرية/الفارقة في مسار الإنسانية.. هناك إجماع فقط على التوصيف، أي «فارقة وجذرية».. أما لناحية الإجماع على «مع» أو«ضد» فهذه تخضع للكثير من الخلاف والاختلاف والجدل والتعنت والتصلب في الرأي والموقف.. وبالمجمل هذا كله تابع أو يتبع المصالح والولاءات، وبدرجة أوسع الإيديولوجيات، خصوصاً المتطرفة، والدينية على رأسها..

ولا ننسى المطامع والمطامح وما تجرّه من خيانات ومؤامرات وويلات تفعل فعلها، وهي الأخطر.. وبالنتائج النهائية فإن كل ما ذكر ليس بينه الانتماء الوطني الذي يتوجب أن يكون أساس كل رفض وقبول لهذا المحطة التاريخية أو تلك مهما اختلفت المواقف وتضاربت الآراء، فكيف إذا كانت المحطة التاريخية – موضع الخلاف والاختلاف – من المحطات التي أثبتت المراحل التي أعقبتها أنها كانت محطة واجبة لازمة للتأسيس والبناء وتحقيق الأمن والاستقرار.
لن نخوض في كل ذلك، فأياً كان الخلاف والاختلاف والجدل حولها، فإنه لا جدال ولا خلاف حول أنها حركة أسست لأربعة عقود من الاستقرار والأمن، ومن البناء لسورية قوية محصّنة على كل الصعد.. هذا البناء وهذه القوة قادا لأن تأخذ سورية دورها ومكانتها عربياً وإقليمياً، وأن تكون لها الأهمية التي تستحقها والتي لم يستطع أحد – على الصعيد الإقليمي والدولي – تجاهلها ولا تجاوزها.
سنعيد فقط ما نكرره عادة بخصوص جزئية مفادها، لماذا نسميها نحن السوريون مجيدة؟
يقول السوريون: لأن من قادها أجاد الفعل والقرار، وأجاد القيادة.. ولأنها حققت مجد القول والفعل ومن خلفهما النية الوطنية الصادقة.. ولأنها كانت واستمرت تعلي مجد الوطن وأهله.. ولأنها مجدت فعل العطاء بلا حدود وبلا مقابل، فأعطت وأكثرت، بل أجزلت العطاء.. ولأنها في مراحلها المتقدمة خرجت من سوريتها. صحيح أنها كانت سوريّة الهوية والفعل والانتماء والقيادة إلا أنها في جزء من نتائجها وعطائها كانت قومية الهوى، طالما أن قائدها المؤسس حافظ الأسد توجه في كل فعل وقرار لأن يكون له في نهاية المطاف مصلحة قومية تستهدف كل الأمة.
يتحدث السوريون عن سورية ما قبل الحركة التصحيحية وما بعدها.. ويتحدثون عن سورية ما قبل الحرب الإرهابية، وما بعدها، أي يتحدثون عن سورية في عهد التصحيح الذي لم ينقطع في أي عام.. كل السوريين يتحدثون كيف كانت سورية وفي كل ذكرى تصحيح تشهد تدشين الكثير من المشروعات الاقتصادية والتنموية والخدمية والمعيشية، وفي كل المحافظات والمدن، وصولاً إلى أبعد المناطق والقرى.. هذا عدا عن تأسيس وبناء دولة المؤسسات والقانون والتعددية التي كانت على رأس أولويات نهج التصحيح.
يتحدثون عن نهضة شاملة عامة بقيت مستمرة منذ قيام الحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني من عام 1970، لم تتوقف إلا مع اندلاع الحرب الإرهابية على سورية بداية عام 2011، علماً أنه حتى في ظل أقسى سنوات هذه الحرب لم تتوقف الدولة السورية عن بذل أقصى جهودها لإدامة عملية التنمية والتطوير، وتلبية احتياجات المواطنين.. وما تزال رغم اشتداد وقسوة الأزمة، وفي بعض المنعطفات وصلت أقصاها.

الاحتفاء بالتصحيح
لكل ذلك وغيره كثير.. يتمسك السوريون بإحياء ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة كل عام، وهم يثقون بأن بلادهم صمدت وقاومت، وستنتصر، لأنها تستند إلى أساسات متينة بُنيت حجراً فوق حجر على مدى 40 عاماً من الأمن والاستقرار والإنجازات والنجاحات.. هذه الأساسات هي المستهدفة، ولاتزال، في الحرب الإرهابية التي تتعرض لها سورية، بكل سيناريوهاتها، دون أن تنجح في النيل منها أو زحزحة هذه الأساسات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار