نجل صاحب أغنية نعناع الجنينة يغني لعلي الديك
تشرين- وصال سلوم:
“طل الصبح ولك علوش
سبقونا هالحصادة
هات المنجل والمنكوش
ولحقني بالزوادة..”
سمعت تلك الكلمات سنة ٢٠٠٤ وأنا في إجازة على ظهر سفينة سياحية في مصر تجوب النيل لساعتين من الزمن نسمع أغاني طربية وبعض أغاني الطقطوقة إلى أن تغير مسار اللحن المذاع وانتقل لمساحة طربية وجدانية خالصة، أنا في القاهرة وصوت سوري يغني أغنية شعبية، هنا في القاهرة، كانت الدهشة كبيرة فالأغنية ليست لميادة الحناوي أو شادي جميل… بل كانت أغنية علي الديك (طل الصبح ولك علوش).
لذلك، لم استغرب اليوم انتشار فيديو الأغنية العلوشية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الجديد فيها الفرقة الشعبية الصعيدية التي تؤديها، لدرجة تحول فيها الفيديو لتريند حاصداً آلاف اللايكات والتعليقات وكذلك التساؤلات المحببة..
“كيف يمكن لأغنية شعبية سورية بلهجة صعيدية، أن تتخطى الحواجز الافتراضية؟”
وألا يكون للهجة أي عائق؟
غير الحب..
مادامت مست قلوب المستمعين والمتابعين يضيع تساؤلنا في إجابة وجدانية، بأن البيئات الشعبية في الأقطار العربية وخاصة في الفنون لاتقيم بينها الحواجز، ولايهمها تنظيرات المتثاقفين، ولا تعقيدات النقاد، هاجسها الوحيد أن تمتزج فنياً وتصل الذائقة الوجدانية، فالفنون الشعبية الشعرية عامة كما يؤكد الباحثون ( تكتب بلغة الحياة اليومية وبلهجة السكّان, ولا تحكمها قواعد, ولا يضبطها صرف, وألفاظها تجمع بين الفصيح والشعبي القريب من الفصيح, وندرة الألفاظ الدخيلة)، لذا ليس غريباً أن يؤدى الصعايدة المصريون أغنية علي الديك “طل الصبح يا علوش” مع احتفاظ الصعايدة كعادتهم بأزيائهم المعروفة الجلباب والدكة الخشبية المصنوعة من أشجار السنط أو الأثل التى يجلس عليها المطرب مع صديقه وهو يؤدي أغنية علي الديك، وبدلاً من رقصات الدبكة السورية كانت الرقصات بالكفوف الصعيدية وهو طقس معروف في صعيد مصر.
وحول الأغنية الصعيدية الترند “علوش” هاتفت صديقي الصحفي المصري محمود الدسوقي ليعرفنا بفن الكف التراثي، حيث قال بلهجته الصعيدية المحببة:
إن تقارب البيئة الشعبية السورية التي يتحدث عنها المطرب السوري علي الديك في البيئات الشعبية في أغنيته “طل الصبح” جعلت أغنيته تتلقى الشيوع في فن “الكف” في صعيد مصر ويتواجد هذا الفن في جنوب صعيد مصر من الأقصر حتى أسوان، وقد أدى هذه الأغنية الجميلة المطرب ياسر رشاد نجل الريس رشاد عبدالعال أحد رواد فن الكف والذي كان له السبق في غناء ملحمة” نعناع الجنينة” قبل الفنان الكبير “محمد منير ” وياسر رشاد ومعه حمدي الشريف أديا الأغنية معاً، فأغنية طل الصبح لعلي الديك تتحدث عن نفس البيئة في الصعيد من تقاليد الحصاد وحمل المنجل والزاد للطعام ، وهي من ذات التقاليد أيضاً.
وأضاف الدسوقي: إن فن الكف فن ارتجالي وتحد في الصعيد وهو يقترب من الفنون القولية المنتشرة في البيئات العربية، مضيفاً إنه مثلما غنى المطربون السوريون والمطربون العرب الأغنية الشعبية “بتنادينى تاني ليه” وهى من الفنون القولية كفن الكف منذ أن غناها المطرب يوسف بكش وأحمد العجوز كذلك غنى الصعايدة من فنون الدبكة أكثر من أغنية مؤكداً على أن الفن الشعبي عابر ولايستقر في مكان ولايحتاج تذكرة سفر، أو حتى تسويق ولا أموال تنفق من أجله كى يكون له الشيوع، فقط الأمزجة الشعبيية هي التي تلقي الهوى في البيئات الشعبية بدول الوطن العربي، وتقترب الدبكة السورية من الكف الصعيدي المصري، فالدبكة رقصة الأقدام والكف رقصة الكف الاثنان يصممان علي استخدام الجسد كطقس في الغناء ، والكف هو فن المناسبات مثلما الدبكة هي من فنون المناسبات، وإذا كانت الدبكة السورية ترتكز للتراث الموسيقى في أوغاريت بالساحل وتم إضافة التأثيرات العربية عليها كذلك الكف يمتد لنقوش الفراعنة وأعطاه التراث العربي زخماً.
يضيف الدسوقي إن مطرب فن الكف يحتاج للثقافة فهو يطلب منه أن يغنى أغنية معينة كتحد، لذا عليه أن يكون مطلعاً،خاصة بعد شيوع الانترنت الذي لا يعبأ بالمحلية، كما يعتمد الكف على مُسمى خانة، وهى أبيات شعرية مرتجلة في صورة موال مُربع، ثم ينطلق بعدها المُغني الرئيسى للفرقة في الغناء مُرتجلاً بناء على تلك الخانة، إلى جانب الغناء على نغمات العود والدف، فيما يؤدي الشباب الرقصات المتوافقة مع الإيقاعات، واستطاع فن الكف أن يجذب إليه كافة الأجيال، بل صارت له فرق متخصصة مثل فرق الدبكة ،مؤكداً على أن عالم الانترنت في الغناء الشعبي قلص المسافات بين البشر وجعل المعيار فقط هو الفن وجمالياته.