في أول يوم من مهرجان القصة القصيرة.. قراءة نقدية في تجربة الأديب عدنان رمضان
طرطوس- ثناء عليان:
يقول الكاتب الإنكليزي (سومر ست موم) «ما من شيء يحدث في حياة الإنسان إلّا ويصلح أن يكون قصة» وهذا دليل عميق على أهمية هذا الفن الأدبي الجميل الذي يستحق أن يقام له مهرجان كلَّ عام. وهذا ما دأبت عليه مديرية الثقافة في طرطوس ليصبح تقليداً سنوياً، حيث انطلقت فعاليات مهرجان القصة في ثقافي طرطوس بحضور ثلة من الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي وتتضمن فعاليات المهرجان الذي يقام لمدة ثلاثة أيام، معرضاً للكتاب و ورشات وقراءات أدبية ونقدية وندوة عن القصة وتداخل الأجناس الأدبية، كما تمّ تخصيص يومٍ لكتاب القصة من الشباب.
سفير للتعبير عما يحدث
وفي كلمة لمدير الثقافة في طرطوس كمال بدران أكد فيها أهمية فن القصة القصيرة التي استجابت طبيعتها لإحداثيات حركة المجتمع العربي السوري، لافتاً إلى أنّ القصة واكبت مجمل التغييرات الوطنية، والاجتماعية والذاتية وعايشت سيرورة حياته ولاسيّما أنّ مرحلة نضوجها، وازدهارها تواشجت مع أحداث كثيرة ومتنوعة في سورية، كانت خلالها القصة خيرَ سفير للتعبير عما يحدث.. وأضاف: يأتي هذا المهرجان السنوي الذي نقدم من خلاله نتاجات كتاب القصة القصيرة للجمهور في محافظة طرطوس ومهرجان القصة القصيرة السنوي، كما غيره من المهرجانات التي نقوم بها، وهو رسالة تحدٍّ لواقع مرير لن يمنع الثقافة أن تضطلع بدورها، لافتاً إلى أنّ واقعنا الحالي هو لوحة قاسية على الروح والجسد، لكن رغم كل ذلك لابدّ لنا من إفساح المجال للمثقف أن يأتي ويقول كلمته التي ستظل للأيام القادمة، مشيراً إلى أنّ المهرجان يقام على مدى ثلاثة أيام يشارك فيه( ١٥) قاصاً وقاصة.
قصص هادفة ومنتمية
وفي ندوة تناولت تجربة الأديب الدكتور عدنان رمضان تحدث خلالها الأديبان مالك صقور وعلم الدين عبد اللطيف وأدارت الندوة الأديبة ضحى أحمد، في البداية تحدث الأديب والمترجم مالك صقور عن معرفته بالأديب رمضان طبيباً جرّاحاً ومديراً ومسؤولاً في جهات مختلفة، وإنساناً، له ايادٍ بيضاء في خدمة الناس والمجتمع، ولاسيما الفقراء منهم، ومؤكداً أنه على الرغم من العمل في المشافي وعيادته، وبالرغم من ضيق وقته خصص رمضان حيزاً للقراءة والكتابة التي كانت هوايته منذ يفاعته وحتى دخوله كلية الطب، ومنذ ذلك الزمن هجع الكاتب والأديب في أعماق الطبيب إلى حين بزوغ مجموعته القصصية الأولى في تسعينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أنّ قصصه وكتاباته تتميز بالبساطة والشعبية والحقيقة الحية الكاملة للحياة، والأصالة، وفيها حيوية فكاهية تحمل المرارة، وتحمل حزناً عميقاً، وفي كلِّ قصة أو موضوع يقدمه بصدق, وبساطة، من دون تزويق، أو تعقيد، إذ لم يقع في الزخرفة والغموض والإنشاء المجاني. ويرى صقور أنّ قصصه هادفة منتمية إلى بيئة المجتمع الذي نشأ فيه، ورضع منه الأصالة، ولا أخطىء – يضيف صقور- إن قلت: إنّ قصص عدنان رمضان عامرة من حيث المعنى والمبنى.
السرد بواقعية
بدوره أكد الأديب علم الدين عبد اللطيف أنّ القصة القصيرة في طرطوس لم تكن حالة طارئة أو عابرة، فكتّابها كانوا من أوائل القصاصين في سورية، لافتاً إلى أنّ الدكتور عدنان رمضان، كتب القصة القصيرة في أول إصداراته، (حدث عند النبع) 1995 وأتبعها بمجموعة (الهجرة إلى الماء المالح) 2002، ثم كتب روايته الوحيدة (أيام الحيرة) 2004، وتابع بإصدار مسرحية بعنوان (البسطار) 2005. مشيراً إلى أنه في مجموعته القصصية، قدّم نفسه قاصاً مجتهداً، ولم يلجأ إلى الغموض والضبابية، أو لمجازات اللغة لتعميق مادته القصصية، وبقي يقدم سارداً بمنتهى الواقعية والوضوح، فجاءت قصصه واقعية وشفافة، حتى ليخال للقارئ في كثير منها أنها مذكرات ووثائق لحياته، كطبيب في عيادته، أو كإنسان ومثقف يقرأ الحدث بعين الأديب، وإن بدت أقرب إلى التقريرية الحياتية فهي تولد وتنتج من الحدث العابر مادة أدبية، وهذه هي مهمة الأديب برأيه.
عالمٌ إبداعي ومعرفي
وفي روايته الوحيدة “أيام الحيرة” يذكر عبد اللطيف أن الكاتب بدا كأنه يريد أن يقول مالا تقوله القصة، أو ما لا تستطيعه ربما، فللرواية أدواتها المختلفة عن القصة، من حيث اتساع الفضاء وتعميق الشخصيات، ورحابة الأفق الإبداعي في الرواية عموماً، والامتدادات الزمنية التي تتيح للروائي تقديم رؤية كافية للعالم، فجاءت (أيام الحيرة) لتكمل عالماً إبداعياً ومعرفياً بدأه الكاتب بالقصة القصيرة.. ويرى أن الأديب عدنان رمضان، في قصصه القصيرة، وفي روايته، كان صاحب مشروع إبداعي ومعرفي، لم يكتب قصة واحدة من دون هدف، وبدت القصص كلها ترتبط ببعضها بخيط واحد معرفي يشبكها، الإنساني فيها يتقدم على ما سواه في الاعتبارات، وإذاً.. عدنان قدم نفسه في أعماله هذه إنساناً قبل كل شيء، وصاحب رؤية متقدمة في الحياة.
وختم الأديب عبد اللطيف مؤكداً أنّ قلة أعمال الكاتب، لا تنال من قيمة مشروعه الكتابي، وقد يكون العكس، فقد قال في أربعة أعمال ما يريد بكل جرأة و وضوح، بلغة أدبية عالية، وتمكُّن من الأدوات الفنية في القصة والرواية.