التحضير للخطة الزراعية للعام القادم اكتمل بالأحاديث والاجتماعات.. فهل سندعمها بتوفير المستلزمات؟
حماة- محمد فرحة:
تجري منذ شهر تقريباً من الآن الدراسات والتحضيرات لوضع خطة زراعية محكمة، وعلى ضوئها سيتم تحديد مخصصاتها من المستلزمات الزراعية من أسمدة ومشتقات نفطية، والواردات المائية المتاحة. وبعبارة أوضح كل ما يلزمها، لعل وعسى يكون الإنتاج مرضياً ووفقاً لما نحتاجه، وبالتالي التخفيف من استيراد أي مادة زراعية غذائية.
لكن التجارب علّمتنا كمتابعين لهذا الشأن، وخاصة أن لدينا الكثير، ما يكفي من هذه الاجتماعات والتحضيرات، فالمسألة باتت معروفة، مؤداها: ما المساحات الزراعية المتاحة للقمح مروية وبعلاً، في كل محافظة؟، ولكن من غير المعروف والمتاح الحاجة الفعلية لهذه الخطة من أسمدة وغيرها، فتخصيص ليتري مازوت لسقاية الدونم غير كافٍ، وبضعة كيلوغرامات من الأسمدة للدونم غير كافية أيضاً، فهذه هي مشكلة إنتاجنا الزراعي من القمح تحديداً.
بل كان المعنيون قد وجّهوا وطالبوا بتحويل الآبار إلى الكهرباء بدلاً من استخدام المشتقات النفطية، وعندما تم ذلك فوجئوا بفاتورة تفوق قيمتها ما سينتجه الدونم الواحد، لدرجة وصف البعض هذه الحال بالورطة.
وكي لا نذهب بعيداً، سنعود إلى مضمون عنوان موضوعنا: هل تكفي الدراسات والاجتماعات التحضيرية ليكون إنتاجنا مليوناً ونصف مليون طن من القمح حسب وصف أحد المعنيين قبل أيام؟
فمن اللافت أن هؤلاء المعنيين حفظوا الدرس، فمع بداية وضع كل خطة زراعية، يقومون بعملية حسابية يقدّرون إنتاج الدونم الواحد ويضربونه بالمساحة المقررة والواردة في الخطة، ويعلنون أن إنتاجنا من القمح سيكون كذا وكذا، رغم أن ١٠٠ دونم في سهل الغاب الموسم المنصرم والذي لم يقبض مزارعوه قيمة أقماحهم بعد، لم تعطِ سوى ٦ أطنان، أي كل دونم ٦٠ كيلوغراماً، فمن قدّرها بـ ٣٠٠ كغ وأكثر لم يأخذ بعين الاعتبار أي طارئ كما يحدث ويحلو للمعنيين عن قطاعنا الزراعي أن يبرروه بـ” المتغيرات المناخية من أمطار غزيرة تغرق الأرض أو جفاف شديد أو الإصابة بمرض طارئ أو جائحة مثل الصدأ الأصفر “السبتوري” أو السونة”.
ففي كل دول العالم يُحسب دائماً ألف حساب للحالات الطارئة، ونأمل أن يكون إنتاج العام القادم كافياً وينهي مسألة استيراد القمح.
الخبير الاقتصادي ومدير مصرف حماة العقاري ادمون حنا، يبيّن أن المزارعين بأمسّ الحاجة إلى إعادة دراسة التكلفة، فأسعار الشراء لا تتناسب مع التكلفة، إذ إن أسعار الرّي بالآبار المزودة بالكهرباء تقارب الـ١٠٠ ألف للساعة الواحدة، وهنا تصبح العملية غير ذات جدوى عندما تحتاج يومياً للسقاية.
حنا: أسعار الرّي بالآبار المزودة بالكهرباء تقارب الـ١٠٠ ألف للساعة الواحدة
وأضاف: إن ذلك قد يصل إلى المليون، فإذا حسبنا إنتاج الدونم في حدّه الأدنى، تكون النتيجة خسارة مضاعفة في كل شيء.
وتطرق الخبير الاقتصادي إلى أنه لابد من تشديد الرقابة على الأدوية الزراعية غير الفعالة، وكذلك على نوعية البذار، الذي يدور الحديث عنه وحوله.
خاتماً حديثه بضرورة توفير حاجة الدونم بشكل كافٍ، وعندها سيكون الإنتاج كما نتمنى ونشتهي.
من جانبه، أوضح مدير زراعة حماة المهندس أشرف باكير أن دراسة التكاليف اليوم من المبكر الحديث عنها، لكن بكل تأكيد يجب أن تتناسب وواقع الأسعار في حينها، فالمزارعون يخسرون حقيقة، ولذلك بدأوا يفقدون الرغبة في المضي بزراعة المحصول.
وتطرّق باكير إلى أنه من المبكر جداً الحديث عن تقدير الإنتاج، ولا أحد يستطيع أن يحدده، حتى وإن كان بشكل تقريبي، فالعوامل الجوية والمتغيرات المناخية لا يمكن أن يحدّدها أحد من الآن للعام القادم.
خاتماً حديثه بأن تقديرات الإنتاج غالباً ما تتم في منتصف شهر آذار ومطلع نيسان، وفي كل الأحوال ما تم التخطيط لزراعته أقل من العام الماضي، ولا يمكن إلزام المزارعين به، فقد بدأنا نشاهدهم يتململون من زراعة القمح، وهذا مؤسف جداً، والحل بتشجيعهم ووضع سعر مناسب ومغرٍ، فهذا أفضل تحفيز ومن دون ذلك لا أمل في زراعة المزيد من المساحات.
مدير زراعة حماة: المزارعون بدأوا بالتململ من زراعة القمح والحل بتشجيعهم ووضع سعر مناسب ومغرٍ
بالمختصر المفيد: التاريخ لا يعيد نفسه، ونقصد هنا ما يتعلق بالشأن الزراعي، لكن الحقائق المتشابهة توجد أحياناً ضرورات متقاربة، والحاصل أن حقائق اليوم ومنغصاتها تجيء وكأنها عملية استنساخ لحقائق الأمس، وعلى نحو أشد قسوة، وتجنباً لذلك، لابد من توفير كل مستلزمات الزراعة بالشكل الأمثل، فلنجرّب هذا العام وسنرى الخير فاض.