التمييز بين الأبناء والاهتمام الزائد يولد الحساسية والبغضاء ويشعل نار الغيرة بينهم

تشرين- نور حمادة:
الغيرة بين الأبناء شعور طبيعي وشائع نجده في معظم الأسر التي تتعامل معه للأسف بالتجاهل بدلاً من معالجته رغم تأثيره السام في الحياة الأسرية حيث لايدرك الأبوان تصرفات أبنائهم اللامنطقية والمبالغة في تعاملاتهم من بينها رفع الصوت والصراخ والامتناع عن الطعام بأنها ناجمة عن حالة انفعالية وشعور تعويضي ناتج عن فقدان الثقة بالنفس وتتحول هذه الظاهرة إلى مشكلة حقيقية في حال دعمتها الأسرة بالتفرقة اللاشعورية وكانت السبب في إشعال نار الغيرة وتدمير العلاقات الأخوية فيما بعد.
ومن الأفضل تحويل مشاعر الغيرة الملتهبة إلى وسيلة بناءة تخدم الأسرة والمجتمع تفادياً من انعكاس سلبياتها التي تسبب العديد من الأمراض النفسية الشائعة كالكذب والغش والتحايل والحسد وضعف تقدير الذات وسلب طاقة الشخص وفاعليته وحيويته والتقليل من ثقته بنفسه.

المولود الجديد
عند ولادة طفل جديد في العائلة لابد للوالدين توخي الحذر في إظهار عواطفهم الزائدة بطريقة لا إرادية تجاه المولود الجديد على حساب أخيه الأكبر وإهماله بعض الشيء من مبدأ الأصغر أحق بالرعاية فالحكمة هنا مطلوبة في التعامل بغية عدم إثارة الحساسية ومشاعر الغيرة بين الأبناء، حيث ترى مها وهي أم لثلاثة أطفال أن على الأهل التحلّي بالوعي الكافي لتهيئة ابنهم الأكبر بوجود طفل آخر يشاركه الحياة وهي تجربة عانت منها مع طفلتيها عند قدوم أخيهم الأصغر، وتتابع: هناك خطوات اتبعتها أثناء ولادة ابني لتفادي إثارة المشاكل والغيرة بين أطفالي من خلال الاعتماد عليهم وتعزيز ثقتهم بنفسهم وأنهم مسؤولين على حماية أخيهم الأصغر والمشاركة في تعليمه والاهتمام به وبتربيته لأن في داخل كل منا رغبة برعاية شخص آخر نحبه ونخاف عليه، ولم أحرمهم بشكل مفاجىء من المكانة التي كانوا يتمتعون بها وابتعدت عن الموازنات الصريحة بينهم واعتبار أن كل منهم له شخصيته المستقلة.

مجتمع ذكوري
لازالت بعض المجتمعات تعاني من المعتقدات الاجتماعية والثقافية الموروثة التي تميز بين الذكر والأنثى وترى في الفتاة سبباً في تحمّل المزيد من العبء والمسؤولية وهذا الانحياز له آثار سلبية وخيمة من الناحية النفسية والعاطفية تظهر نتائجها جليّاً في تفكيك الروابط الأسرية، ومن وجهة نظر غيداء 25 عاماً بأن تكوين فكرة الذكر مرغوب اجتماعياً عكس الأنثى شكّل لدى أخيها شخصية سلطوية تسمح له باتخاذ القرارات الفردية وأن ما يحق له لا يحق لغيره، وتتابع: نحن أربع فتيات ولدي أخ وحيد هو محط اهتمام والديّ كونه الذكر الوحيد في العائلة وإعطائه الأولوية والدعم دائماً وأنه يحق له فرض آرائه وأفكاره وكلمته مسموعة حتى لو لم تتوافق مع قراراتنا مما ولّد غيرة قوية بيننا تمثلت بالكراهية الشديدة والضغينة والرغبة في الانتقام أحياناً وبرأيي هي حالة اجتماعية غير سليمة، لذلك التقليل من التمييز والاهتمام المبالغ به وتحقيق المساواة في التعامل بين الأبناء والسماح لهم بإبداء الرأي يؤدي إلى نتائج إيجابية على صعيد الأسرة والمجتمع.

أخصائية نفسية: حلول لجعل الغيرة إيجابية.. غيرة الذكور أكثر خطورة من غيرة الإناث

آخر العنقود
يحظى الابن الأصغر أو آخر العنقود بمكانة خاصة في العائلة وبدلال يتميز به عن باقي إخوته وهذه الميزة لايمكن لأحد أن يسلبها منه بعيداً عن القيم والمعايير الأخلاقية في ضبط السلوك القائمة على تلبية رغباته والاستجابة لجميع طلباته والذي يعود بنتائج عكسية يكون ضحيتها الأولى الوالدين اللذين قاما بتدليله ومنع إيذائه وبالتالي تكون لديه شخصية تتمثل بالغرور والأنفة وحب الذات والاتكاليّة، ويوضح سعيد 22 عاماً أن سيطرة أخيه الأصغر ستبقى مستحوذة على الدلال الأكبر في العائلة وأنه يحظى بمكانة خاصة عمن سبقوه، وباعتقاده أنه كلما تقدم العمر بالوالدين زاد دلالهما وتعلقهما بأصغر أبنائهم، واللافت أن آخر العنقود لديه قدرة عجيبة على كسب ود والديه وجعلهم يرضخون لأوامره بأسلوب فريد ويكسب تعاطفهم وتحديداً الأب لذلك هو أيقونة البيت أو المدير الأصغر وأنا عندما أستصعب الحصول على شيء معين من والدي ألجأ إليه ليقنعه وبالفعل تنجح الخطة المرسومة فهو لايرد له طلباً.

الغيرة الإيجابية.
الغيرة هي حالة انفعالية تتمثل في حب التملك والشعور بالغضب والأنانية بسبب وجود مشكلة أو عائق ما، يصحبها بعض التغيرات الفسيولوجية الداخلية والخارجية وذلك نتيجة حرمان الطفل من بعض الحقوق التي كان يحصل عليها مسبقاً، وبرأي الأخصائية النفسية باسمة ظريفة أن هناك عدة عوامل تساهم في إشعال نار الغيرة بين الأبناء لعل أهمها وجود عقدة نفسية عند الطفل بأنه أقل جمال واجتهاد من غيره ومعاملته بحزم من قبل الأهل لذلك يقوم بمحاولة لفت الانتباه له على أنه الأفضل والمحبوب اجتماعياً من مبدأ الأنانية.

كذلك المفاضلة بين الذكور والإناث وأن الذكر مرغوب أكثر من غيره في المجتمع الشرقي مولّداً شرخاً كبيراً بين الإخوة يصل إلى حد العدواة والجفاء.
وتوضح ظريفة أن من الأسباب المهمة في إثارة الغيرة بين الإخوة هو الحرمان من الحقوق الشرعية كالميراث وتعرض أحد الأبناء للظلم وخاصة الإناث مما يزيد من حدة الخلافات والمشاكل وهو ما يحصل في أغلب الأسر ونشاهده على أرض الواقع.
كما أن كثرة المديح والتباهي بأحد الأبناء والإشارة إلى ميزاته وحسناته على حساب الآخر هو من الأخطاء الشائعة في التربية ولها الكثير من السلبيات.
وتنوه أنه قد يكون لدى البعض عاهة جسدية أو مشكلة ما ويبدأ البعض بإظهار هذا العجز ونقطة الضعف وتمييزه عن الآخرين مسبباً له مشكلة نفسية إضافة لمشكلته الجسدية.
وتؤكد باسمة أن هناك حلول لجعل الغيرة إيجابية بين الأبناء تكمن في تعزيز ثقة الطفل بنفسه والابتعاد عن معاقبته إذا فشل في بعض الأمور وتعليمه أنه في بداية طريق النجاح وعدم مقارنته بغيره وعدم معاقبته أمام إخوته مع ذكر أخطائه حتى لايعايروه بها ويسخرون منه فيما بعد، وعدم إظهار ضعفه على أنه أقل ذكاء وجمال وتذكيره بأن هناك فروقاً فردية بين البشر وليس جميعهم متساويين، وأن نزرع بهم حب المنافسة الشريفة وأن يكون هناك عدل في التعامل معهم للوصول إلى تكوين أسرة سليمة.

دراسة وإحصائيات
وأردفت ظريفة أن الغيرة التي يعبر عنها الشخص بمشاعر مختلفة مثل الحزن والخوف والغضب تعد حالة طبيعية في سن الطفولة إذ إن الأطفال الذين يتعاركون مع بعضهم البعض في السنوات الأولى من حياتهم عادةً ما تكون علاقتهم أقرب مع بعض عند تقدمهم في العمر، وعلى الرغم من انتشار الغيرة بين الذكور والإناث أثبتت الدراسات أن غيرة الذكور أكثر خطورة من غيرة الإناث حيث تشير الأرقام أن حالات القتل والانتحار التي يرتكبها الذكور بسبب الغيرة بلغت 50 إلى 70 بالمئة مقارنة مع الإناث الذي بلغ عددهم 3 بالمئة وذلك بسبب اختلاف رد الفعل للتعبير عن الغيرة بين الجنسين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار