“دكاكين صيد الزبائن” ظاهرة تتسلل إلى الأسواق السورية…المواطن و أصحاب الكار الحقيقيين أمام خطر منتحلي صفة “فني إصلاح”..
تشرين – إلهام عثمان:
في عصر تجتاحه الرغبة في الثراء السريع، يظهر خطر داكن يهدد أسس المهن والحرف التقليدية، “كارثة المهن” هي تحولات مأساوية لجيل شاب الذين يغافلون التعليم والتطوير الفني ليخوضوا عوالم ملتوية لصيد المكاسب السريعة، بدلاً من بناء مستقبلهم على أسس تعليمية وتطوير مهاراتهم الحرفية, فهل أضحت شهادة الخبرة أهم من شهادة الاكاديمية في مجتمعنا؟ لكن.. ماذا لو اجتمعت لدينا الخبره المهنية والشهادة الأكاديمية معاً؟.. سؤال يفرض نفسه بقوة.
مسألة نسبية
هل الخبرة المهنية أهم من شهادة الأكاديمية في مجتمعنا؟ سؤال يجول في خاطر الكثيرين, وفق ما أكدته مريم الحاج عثمان دكتورة في التربية والإرشاد الأسري من خلال حديثها لـ”تشرين”, مبينةً أنها مسألة نسبية ومتفاوتة بالنسبة لكل شخص وكل مهنة، فالشهادة الأكاديمية تبني الفرد بالأسس العلمية اللازمة, إلا أن الخبرة والممارسة تصقل تلك المعرفة وتزودها بمهارات العمل المهني, لكن الشخص يكون أكثر نجاحاً وتميزاً إذا اجتمعت لديه الخبرة والشهاده الأكاديمية معاً, وبالتالي ستكون لديه مهارات عالية تساعده في بروز دوره في العمل فيكون ناجح مهنياً بل ومتميز, إلا أن غلاء متطلبات المعيشة في وقتنا الحالي، جعل من العمل والمكانة المرموقة ” أكثر صعوبة”، ما جعل التوجه للمهن أكثر جاذبية لبعض الشباب.
الحاج عثمان: الفشل دراسياً لا يلغي الذكاء والقدرة على التعلم سريعاً والتأقلم مع المواقف الحياتية المختلفة
من جهته أوضح رئيس اتحاد حرفي دمشق علي قرمشتي في تصريحه لـ”تشرين”، أن شهادة الخبرة أهم من الشهادة الأكاديمية المهنية، لا سيما أن شهادة العمل والممارسة والخبرة أهم لسوق العمل، فدورات الحلاقة مثلاً، لا تعطي نتيجة ما لم تمارس بشكل عملي وتطبيقي لهذه المهنة، لافتاً إلى أن الدورات التدريبية هي تعريفية، أما السوق والمهنة فهي الأساس لما تحمله من المواد اللازمة والمواد الداخلة بالعمل والبيع، لذا لا بد من تهيئة الشخص للعمل من خلال التطبيق العملي وممارسة المهنة.
مهارات الشخصية
الحاج عثمان أشارت إلى أن الفاشل دراسياً يتوجه نحو المهن التي تحتاج للتركيز والذكاء والحسابات، لأن النجاح بمهنة معينة لا يعتمد فقط على الشهادات الأكاديمية، بل يعتمد على المهارات الشخصية والعملية، وقد يكون لديه مهارات وقدرات أخرى ممكن استغلالها واستثمارها بمهن تتطلب التركيز والذكاء والانتباه، لافتةً إلى أن الفشل دراسياً لا يلغي الذكاء والقدرة على التعلم سريعاً والتأقلم مع المواقف الحياتية المختلفة، التي تصادف الأشخاص بمهنتهم وحياتهم الشخصية.
من جهته صرح قرمشتي أن الذين يتجهون نحو المهن يختلفون من بيئة لأخرى، فمثلاً أهل دمشق متعمقون بالعمل المهني، فنرى أغلب العائلات فيها” أسماء مهنية”، لذا فتربية أولاد العائلة هي استمرار للمهنة، لافتاً إلى أن الفشل الدراسي قد يكون أحد الأسباب أو بسبب تكاليف الدراسة، أو ربما قد يكون الشخص معيلاً للأسرة أو محباً لحرفة، لذا التنوع العملي هو أساس تطور العمل.
الحاج عثمان: الحرفة أو المهنة لا تعتمد فقط على الشهادات الأكاديمية بل تعتمد على المهارات الشخصية والعملية
وفي سياق متصل بيّن محمد عكار أستاذ في جامعة خاصة لـ” تشرين”، أن هناك أشخاصاً للأسف يجدون أنفسهم مغروسين في عالم الاحتيال والتلاعب وقلة الخبرة في العمل، فيقدمون خدمات مهنية تعكس قلة نزاهتهم فيهدمون ويشوهون المهن التقليدية، بدلاً من بناء الثقة والاحترام المتبادل بين صاحب المهنة والزبون من خلال الجدية والمهارة مستغلين حاجة وجهل الشخص بعملهم أو مهنتهم.
الابتعاد عن المسؤولية
أبو سليم أفصح عن غضبه قائلاً: بعد تعطل التلفاز لدي، قمت بإجراء الصيانة اللازمة له عند أحد الأشخاص ودفع مبلغ ٥٥٠ ألف ليرة لقاء ذلك، وبعد عدة أيام تعطل مرة أخرى، فقمت بإعادة إصلاحه لدى شخص آخر، وما صدمني أن القطعة التي تعطلت تم استبدالها بقطعة تقليد “كوبي”، رغم دفعي ثمن قطعة أصلية ومن نفس الماركة.
محمد عكار : صيد الزبائن بطرق غير أخلاقية وملتوية أصبح موضة وشطارة لبعضهم وانتحال المهنة ” شغلة إلي مالو شغله”.. وهو يمثل سلوكاً لا يبتعد كثيراً عن النصب والاحتيال
حنان .ج تعطل لديها خلاط المياه وهو من النوع الأول، وعند عرضه على محل تصليح للأدوات الصحية، أكد لها صاحب المحل أنه يستحيل إصلاحه ولابد من استبداله، وتقول: فقمت بشراء صنابير بلاستيكية رخيصة ” تمشاية حال”، لعدم توفر ثمن خلاط مياه جديد لدي، وبعد أسبوعين، وبالصدفة مررت من أمام المحل ذاته، لأجد أن خلاط المياه خاصتي قد تصدر واجهة المحل ومعروض للبيع كمستعمل بسعر ١٧٥ ألف ليرة.
انتحال المهن وصيد الفرص
ومن هنا نجد أن صيد الزبائن بطرق غير أخلاقية وملتوية، أصبح ” موضة وشطارة لبعضهم” وفق رأي عكار, وانتحال المهن “شغلة إلي مالو شغله”.. لكنه سلوك لا يفرق كثيراً عن النصب والاحتيال إذ لهما أوجه كثيرة وانتحال المهن أحدها، حيث يشكل هذا السلوك آفة اجتماعية خطيرة تؤدي إلى تخريب سمعة المهن واستنزاف ثقة الناس، فالأفراد الذين يلجؤون إلى مثل هذه الأساليب، لا يفكرون في الضرر الذي يلحقونه بالمجتمع برمته، بل يسعون فقط لتحقيق مكاسب فورية على حساب سمعة ونزاهة المهنة.
شغف المهنة
أحمد زكريا خريج هندسة إلكترونية أكد أنه قام بإنشاء مشروعه الخاص “محل صيانة للموبايلات والحواسيب الالكترونية” بالشراكة مع أحد زملائه من ذات الاختصاص، ويقول: أجد نفسي وشغفي في هذا المشروع خاصة أنني دخلت هذا الفرع عن خبرة اكتسبتها من والدي، و قد بدأنا بجني الأرباح بعد مد جسر من الثقة بيننا وبين زبائن المحل بفترة وجيزة.
قرمشتي: الفشل الدراسي قد يكون أحد أسباب التوجه للمهنة أو الحرفة أو ربما بسبب تكاليف الدراسة.. والتنوع العملي والديموغرافي هو أساس تطور العمل
من جهته بين قرمشتي أن كل عامل يعمل عند حرفي أو مهني هو مشروع بحد ذاته، ويضيف: بالنسبة لدورنا كإدارة لجمعيات حرفية، نقوم بمساعدة الحرفي أو صاحب المهنة قدر المستطاع، بالإضافة لدور جمعيات والمراكز، مشيراً إلى أن شهادة الحرفيين تعد من أقوى الشهادات ومعترف بها عالمياً، وليس الدول الصديقة فقط.
مشروع خاص
مهندس (الميكانيك, أو الإلكترون) إن لم تفرزه الدولة لوظيفة ما، هل بإمكانه إنشاء مشروعه الخاص؟ وان لم يكن غير قادر مادياً, مالدعم الذي يمكن أن تقدمه الجمعية الحرفية؟ للمهندسين أو غيرهم, يجيب قرمشتي أن موضوع المهندسين هو أساساً اختصاص تدريسي يختلف عن المهني، لذا لا نستطيع الإجابة، ويضيف إن المشروع يخطط له عادة من قبل المهندس، أما التنفيذ فيقع على عاتق المهني أو الحرفي، وبالتالي الكل يكمل بعضه البعض.
استشارة خبراء
الخبيرة الاجتماعية الحاج عثمان، لفتت إلى أن المهن يمكن أن تكون خياراً مجدياً للأفراد ذوي الإمكانيات المحدودة والدخل المحدود، على أن يتناسب مع إمكاناتهم قبل أخذ قرار امتهان مهنة ما، آخذين بعين الاعتبار التكلفة المالية الكبيرة، (إعلانات – تسويق – عقود وغيرها )، وأن يكونوا قادرين على استثمار الوقت والمجهود لتطوير المهارات اللازمة للنجاح بالعمل، والقدرة على مواجهة التحديات في مسيرتهم المهنية, لافتة إلى أنه من الضروري استشارة خبراء بذات المهنة، بهدف الاستفادة من خبراتهم وللحصول على المساعدة والتوجيه للقيام بالمهنة على أكمل وجه.
قرمشتي: الدورات التدريبية هي تعريفية أما السوق و المهنة فهي الأساس
استراتيجيات
من الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتحقيق التوازن، وفق رأي الحاج عثمان, التدريب المستمر لصقل المهارات، وضوح الأهداف والتخطيط المسبق للقيام بمشروع العمل مثل “المال -خبرات -مهارات اللازمة، التنويع لمصادر التمويل لزيادة الدخل.
انعكاسات
إلا أن الفشل في المهنة قد يكون له انعكاسات وآثار سلبية على المجتمع برمته حسب رأي الحاج عثمان، لكن بالمقابل في بعض حالات الفشل في مهنة ما، يمكن أن تكون النتيجة “إيجابية”، فيتعلم الفرد من أخطائه ويحسن مهاراته لينجح مستقبلاً، لكن هذا يعتمد على كيفية تعامله مع الفشل وكيفية تطوير نفسه وتحسين مهاراته، أما إذا كان الشخص غير مؤهل للمهنة, فهذا يؤدي إلى تراجع بالجودة ومستوى المهنة، والضرر الاقتصادي سيكون مأساوياً بسبب قلة أو انعدام الكفاءة والجودة بالعمل، فيؤدي لانحدار وخسائر اقتصادية كبيرة، نتيجة نقص المصداقية بهذه المهنة.
الحاج عثمان: الكارثة إذا كان الشخص غير مؤهل للمهنة فيؤدي ذلك لتراجع الجودة ومستوى المهنة
معالجة
ويمكن معالجة مسألة من يتعدى على المهنة، و بحسب رأي الحاج عثمان، بالتوعية والتعليم بإجراء حملات توعوية وتعليمية لزيادة الوعي بالمهن والحفاظ على احترامها، وفرض الرقابة من قبل جهات حكومية تنفيذية للتأكد من احترام المهنة والعمل بالطريقة الأمثل, ووضع ضوابط وسياسات عامة للمهنة، وإنشاء قواعد واضحة لممارستها بشكل أفضل وأكثر أماناً، والعمل على تشجيع المهنيين المتميزين وتحفيزهم من خلال تسهيل أعمالهم وتوظيفهم كمحاضرين في مؤتمرات ومحاضرات وندوات، ليعلموا الأشخاص المهتمين بنفس المهنة الحرة، كما يمكن توجيه المهنيين ودعمهم ببرامج تدريبية تخصصية والمساعدة على فهم المهنة والعمل فيها بشكل أكثر فعالية، منوهة بأهمية رقابة نقابة الحرفيين في ردع من يتعدى على مهنة ما ليست من اختصاصه, بالإضافة للرقابة والتحكيم من قبل المنظمات الحكومية بعرض القضايا المتعلقة بالمهنة.
قرمشتي: يتم منح رخصة مزاولة المهنة “إن وجدت لدينا” وهي شهادة معترف بها عالمياً وليس على مستوى الدول الصديقة فقط
من جهته بين قرمشتي أن الجمعيات المهنية تسير العاملين بالمجال ذاته، مثال الصاغة، منوهاً بأن الجمعية تعتبر نقابة، وكل جمعية تبرز عملها بقوته وضعفه ومواده ومستلزماته.
رخصة المزاولة
تختلف المهن وتتعدد لكن من الذي يمنح رخص المزاولة, وهل معترف بها؟ يقول قرمشتي: يتم منح رخصة مزاولة المهنة “إن وجدت لدينا”، حيث تصدر الرخصة المصدقة من الجمعية المختصة بالمهنة، بعد تصديقها من قبل الحرفي “المعلم”، وهي شهادة معترف بها عالمياً وليس على مستوى الدول الصديقة فقط.