“رسوم طاسيلي”.. إرثٌ ثقافي لأكبر متحف مفتوح في العالم

تشرين- رنا بغدان:

نُسجت حولها حكايات وأساطير ووُصفت بأنها “مدينة الجن” وقيل إنها كانت “موطن مخلوقات فضائية” بحسب إيحاءات الرسوم المحفورة في صخورها، فيما اعتُقد بأنها تؤرخ لقارة “أطلانتس المفقودة” كما وُصفت بأنها “لغز محير”.. إنها “طاسيلي ناجر” التي تعني بلغة قبائل الطوارق “هضبة الثور”, وهي سلسلة جبلية تقع وسط الصحراء في الجنوب الشرقي للجزائر وقليلاً على الأراضي الليبية وتشتهر برسوماتها الصخرية القديمة حيث تحتوي نقوشاً ورسوماتٍ تعتبر من أهم التشكيلات لـ”الرسوم الكهفية” لما قبل التاريخ في العالم, والتي تمثل حياة كاملة لحضارة قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنين, وقد صنفتها “اليونيسكو” عام 1972 ضمن الإرث التاريخي الوطني، ثم سجلتها في قائمة التراث الحضاري العالمي عام 1982 بفضل ثرواتها الثقافية وفي 1986 كمحمية إنسانية ومجال حيوي.

وتعدّ “رسوم طاسيلي” أكبر متحف مفتوح في العالم، يضم أكثر من 15 ألف رسم تعبيري، تم استعمال اللون الصلصالي الأحمر والصباغ في رسمها، ما زاد من جمالية اللوحات ووضوحها، فضلاً عن ديمومتها لقرون عديدة, كما تقسم “كهوف طاسيلي” بحسب كتاب “تاريخ الجزائر الثقافي” إلى ثلاثة أقسام وتتكون من مجموعة من تشكيلات الصخور البركانية والرملية الغريبة الشكل والتي تشبه الخرائب والأطلال وتعرف باسم “الغابات الحجرية”, وتوجد فوق هضبة مرتفعة يجاورها جرف عميق في منطقة تتواجد فيها نسبة كبيرة من الكثبان الرملية المتحركة. وتمتلك أكبر متحف للنقوش الحجرية عبر مناطقها ومنها “رواق واد جرات” الموجود في الهواء الطلق الأكبر من نوعه في العالم وهو يمثل أجمل رواق للنقوش الصخرية في الجزائر بمحطاته الـ75 التي تضم أكثر من 4.000 شكل عبر مسافة تقدر بنحو 30 كم, عدا الرسومات الأخرى ومجموعها 30.000 شكل.. وبناء على أسلوب ومحتوى الرسومات فقد قسّمها العلماء إلى أربع حقب رئيسة متتالية: الحقبة البائدة أو البابلسية (مرحلة الصيد البري قبل 5000 قبل الميلاد), الحقبة البوفيدية (رعاة القطعان) 4500 إلى 2500 قبل الميلاد, وحقبة الخيول (حوالي 1200 قبل الميلاد), وحقبة الجمال (1200 قبل الميلاد).

وتزخر الصخور برسوم كثيرة تمثل المرأة بكل أنماط حياتها, وتُعدّ “سيدات طاسيلي” من أشهرها وهي جزء من النمط “البوفيدي”، وتدل على براعة وتطور الذين رسموها، فالنساء في هذه الرسمة النادرة بيضاوات البشرة ما يدل علـى درجة الاعتناء بالجمال والتجميل ويرتدين ملابس مترفة مطرزة بذوق كبير مع أغطية رأس جميلة جداً وتسريحات سابقة لأوانها ويمتطين أبقاراً كبيرة، ما يدل على أنهنّ نساء مجتمع راقيات يعشن طريقة حياة فارهة لم تكن متاحة للجميع وقد رُسمت كغيرها بالطلاء القرمزي المشتق من الحجر المسحوق الممزوج بدم البقر، باستثناء لوحة واحدة من بين هذه الأعمال الفنية الأكثر شهرة في المنطقة وهي لوحة “الأبقار الباكية” التي تُظهر مجموعة من الأبقار تتجه رؤوسها نحو الناظر ولكل منها دمعة كبيرة تحت إحدى عينيها, وتقول الأسطورة المحلية إنها تمثل قلق الرعاة مع جفاف الأمطار وانحسار الغطاء النباتي في الساحل الذي عانى من ثدييات كبيرة لعدة آلاف من السنين..

هذا وتمثل صالات العرض في الهواء الطلق سجلاً إثنولوجياً للشعوب التي جرى رسمها في المنطقة عبر العصور، وتصور العديد من الثدييات الكبيرة المرتبطة بشكل أكثر شيوعاً بإفريقيا، وتكتسب الكتابات والنقوش القديمة أهمية كبيرة لكونها ثروة تاريخية مهمة للباحثين لأنها تُعَدُّ المصدر الرئيسي لتصوير عادات أصحابها وعقائدهم وأوضاعهم الاجتماعية وطرق معيشتهم وعلاقاتهم بجيرانهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار